قصة أصحاب الفيل
امر أبرهة جيشه والفيل في مقدمته بدخول مكة، لكن الفيل لم يتحرك و برك مكانه.من هم أصحاب الفيل؟
هم القومُ الذينَ قادهم سيّدهم أبرهة الأشرم من أرض بلاد الحبشة إلى بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة ليهدمه بفيلٍ كان معه، وذاكَ أنّه بنى كنيسةً عظيمة ولم يرَ العربَ تنصرف عن بيت الله الحرام إليها فأراد هدمه لينصرفوا للكنيسة كما سيأتيما اسم ملك اليمن ضد أبرهة؟
كان لليَمن ملك اسمه أرياط، وكان أبرهة يكره أن يكون غيرُه مَلِكًا على اليمن، فأرادَ أن يُقصِيَه عنها وأن يحكمها هو بنفسه، فتنازعا عليها وتفرّق النّاس، وذهبَ بعضهم إلى أبرهة وبعضهم إلى أرياط، وتأزّمت الأمور حتّى سارَ كلّ قائدٍ بجيشٍ إلى الآخر، فلمّا قَرُبَ الجيشانِ من بعضهما أرسَل النّجاشيّ إلى أرياطَ واقترَحَ عليه أن يتلاقيا وحدهما فيُقاتلا بعضهما دونِ اشتباكِ الجند، فالذي يغلبِ الآخر يكن له حقّ السّيادة، فقَبِلَ بذلكَ أرياطوخرَجَ أبرهَة في طريقه لملاقاةِ أرياط وكان أبرهة قصيرًا سمينًا وأخذّ معه غلامًا ليحميه من خلفِه، وخرجَ أرياط إليه وكان طويلًا جميلًا، فلمّا تلاقيا ضرَبَ أرياط أبرهة بحربة كادَ يصيبُ بها رأسه، ولكنّها أصابته في جبينه فشقّتهُ وحاجِبَهُ وعينَهُ وأنفَه وشَفتَه، وكان هذا سبب تسميتِه بالأشرم، ثمّ وثبَ الغلامُ إلى أرياطَ فقتَلَه؛ وحينئذٍ سادَ أبرهة الحبشة بيَمَنِهاسبب خروج أبرهة إلى مكّة متى هدمت كنيسة أبرهة؟ لمّا تمّ لأبرهةَ حكم الحبشة بنى كنيسةً عظيمةً لم يُرَ مثلها في وقتها؛ وكان رجلًانصرانيًّا وقد استعمَلَ فيها رخامًا وأحجارًا وأمتعةً أخذها من قصر بلقيس، وجعلَ فيها صُلبانًا مصنوعةً من ذهب ومن فضّة، وجعلَ منابرها من مادّة اسمها العاج أخذها من أنياب الفِيلَة، وجعلَ، ومن خشبِ الآبنوس، وجعلها شديدة الارتفاع والمساحة، وظلّت هذه الكنيسة موجودة حتّى مجيء العصر العبّاسيّ.[٣] فلمّا أنهى أبرهة بناءَ الكنيسة كتب إلى النّجاشيّ، فقال: "إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ كَنِيسَةً، لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ".[٣] فلمّا وصلَت كلمةُ أبرهة إلىالعربِ استقبحوها وغضبَ رجلٌ من كنانةَ لذلكَ غضبًا شديدًا وأرادَ أن يُريَ أبرهةَ أنّ العرب لن تنصرف عن بيت الله، فذهبَ إلى تلكَ الكنيسة فبالَ فيها دونَ أن يراه أحد، ثمّ خرجَ وعادَ من حيثُ جاء.[٤]ما هي قصة اصحاب الفيل مختصرة؟
بعض المؤرخين يُشَكِّك في قصة أصحاب الفيل، ويدَّعي أنها رمزية، ولكن في الواقع قصة الفيل قصة صحيحة بشكل مجمل، وهي ثابتة في القرآن والسُّنَّة، وليست قصة رمزية، بل حقيقية، وهذا لا يمنع وجود بعض التفصيلات غير الدقيقة من الناحية التاريخية، لكنها حدثت بلا جدال، وتواترت الأدلة على ذلك، وهي لا تخرج عن قدرة الله في شيء.
أولًا: نزول سورة الفيل:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} [الفيل: 1 - 5]
يقول ابن عاشور: فَالرُّؤْيَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَجَازِيَّةً مُسْتَعَارَةً لِلْعِلْمِ الْبَالِغِ مِنَ الْيَقِينِ حَدَّ الْأَمْرِ الْمَرْئِيِّ لِتَوَاتُرِ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَقَاءِ بَعْضِ آثَارِ ذَلِكَ يُشَاهِدُونَهُ:
1- منها ما قالته عائشة أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: «رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكَّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ»[1].
2- ومنها ما قاله أبو صالح: "رأيت في دار أم هانئ نحو قفيز من الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل مخططة بحمرة كأنها الجزع"[2]،
3- ومنها ما قاله نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدُّئَلِيَّ: رَأَيْتُ الْحَصَاةَ الَّتِي رُمِيَ بِهَا أَصْحَابُ الْفِيلِ حَصًى مِثْلُ الْحِمَّصِ وَأَكْبَرُ مِنَ الْعَدَسِ حُمْرٌ مُخَتَّمَةٌ كَأَنَّهَا جَزْعُ ظِفَارٍ"[3].
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَة بصرية بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَجَاوَزَ سِنُّهُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ سَنَةً عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مِمَّنْ شَهِدَ حَادِثَ الْفِيلِ غُلَامًا أَوْ فَتًى مِثْلَ أَبِي قُحَافَةَ وَأَبِي طَالِبٍ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ[4]، وكذا حكيم بن حزام، وغيره.
وقال تعالي: ألم ترَ كيف، ولم يقل ألم ترَ إلى ما فعل، ليشير إلى الكيفية الإعجازية على غير ما عهده الناس، وجعل الفاعل في الجملة "ربك" تشريفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفت النظر إلى أن هذا الإهلاك لأصحاب الفيل إنما حدث توطئة لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا حدث في عام مولده.
وذكر الكيد، وهو التدبير الخفي، لبيان القدرة الإلهية لكشف بواطن جيش اليمن.
والطير الأبابيل هي الطيور التي تأتي في جماعات، ولم يذكر نوع الطير دلالة على كونه غير معروف عند العرب، وتفصِّل بعض الروايات في شكلها وحجمها ولونها، وهي روايات ضعيفة، والمقصود أنها في رأيي أضعف بكثير من الفيل، وقد أهلكت جيشه دلالة على القدرة، فلا داعي إذن لوصفها بأنها عملاقة كعنقاء المغرب كما ورد في بعض الروايات.
وكانت ترمي بحجارة من سجيل، أي طين وُضِع في النار حتى يبس، والسجيل أيضًا هو الشديد، وذُكِر في إهلاك قوم لوط عليه السلام، وقد حوَّلتهم إلى عصف مأكول وهو التبن، أو ورق الشجر الأخضر بعد أن تدوسه الحيوانات، دلالة على تحوُّل الجيش من حالة النضارة والقوة، إلى حالة الهشاشة والضعف.
وذكرت بعض الروايات الضعيفة أن هذه الحجارة أصابتهم بالجدري أو الحصبة، وهذا لا يمتنع، وقدرة الله بالغة، ومع ذلك فالعلامات التي وُصِفت في الجيش المهلك لا تشبه الجدري، وقد يسعى البعض إلى التمسُّك بهذه الرواية الضعيفة للخروج من فكرة المعجزة، وادِّعاء أن الأمر كان مجرَّد وباء كما يحدث في بلدان كثيرة، لكن من المؤكَّد أن الطير كانت موجهة للجيش اليمني دون غيره، ولم يُصَبْ أحدٌ من أهل مكة في هذا الإهلاك، ويفعل الله ما يشاء.
من المهم إدراك أن السورة كانت تُقْرأ في مكة، ولو كان هناك أي شكٍّ في حدوث القصة لما سكت الكفَّار، ولانتقدوا القرآن، وهذا لم يحدث.
ثانيًا: أيضًا القصة مذكورة في بعض المصادر الأجنبية النصرانية:
3- تذكر دائرة المعارف الأثيوبية -باختصار- أن أبرهة بدأ حملته على مكة في عام 547م وأنه تم شحن الفيل من أثيوبيا.. ثم تذكر أن القصة وردت في القرآن في سورة الفيل وأن هزيمة أبرهة على حدود مكة كانت جزئيا نتيجة لرعب أصاب الفيل وأنه تم تسمية العام بعام الفيل.. وأنه من المحتمل أنه تم التعبير عن ذلك في لوحة موجودة في كنيسة شمال أثيوبيا.
4-
الكاتب: George C. Kohn (موسوعة الطاعون والوباء)
ذكر الكتاب أن الجدري حدث في الجيش مما أباده، كما هو واضح في كتابات أخرى، ثم ذكر أن كتاب المسلمين المقدَّس ذكر القصة بعد ذلك.
ثالثًا: وُلِد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفيل:
وردت روايات كثيرة تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وُلِد في عام الفيل، وكان العرب يؤرِّخون بالأحداث العظام، وليس عندهم تاريخ سنوي محفوظ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وُلِد النبيُّ عام الفيل"[5]، وعن قيس بن مخرمة قال: «وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ[6]، وُلِدْنَا مَوْلِدًا وَاحِدًا»[7]، وعنه أيضًا قال: ولد رسول الله عام الفيل وبين الفجار وبين الفيل عشرون سنة[8]، وعن أبي الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول للقباث بن أشيم: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال: بل رسول الله أكبر مني وأنا أسنُّ منه؛ وُلِد رسول الله عام الفيل وتنبَّأ على رأس الأربعين من الفيل"[9].
رابعًا: روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ..»[10].
خامسًا: وروى البخاري أيضًا عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ أن ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم بَرَكَتْ بِهِ قبل مكة في رحلة الحديبية، "فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ. فَقَالُوا: "خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ" فَقَالَ النَّبِيُّ: «مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ[11]..
سادسًا: عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضَّلَ اللهُ قُرَيْشًا بِسَبْعِ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَلَا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بَعْدَهُمْ: فَضَّلَ اللهُ قُرَيْشًا أَنِّي مِنْهُمْ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ فِيهِمْ، وَإِنَّ الْحِجابَةَ فِيهِمْ، وَإِنَّ السِّقَايَةَ فِيهِمْ، ونَصَرَهُمْ عَلَى الْفِيلِ، وعَبَدُوا اللهَ عَشْرَ سِنِينَ لَا يَعْبُدُهُ غَيْرُهُمْ، وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ تَنْزِلْ فِي أَحَدٍ غَيْرِهِمْ»[12]