4
احتجاج الفقهاء على أنه لا يجب على الزوج أن يطأ زوجته إلا في كل ثلث سنة مرة بقوله تعالى: ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ )...البقرة..226
فيه نظر.
وإنما فيها الدلالة على أن لمؤلي خاصة هذه المدة لأجل إيلائه،وأما غير المؤلي فمفهومها يدل على خلاف ذلك وأنه ليس له أربعة أشهر وإنما عليه ذلك بالمعروف
لأنه من أعظم المعاشرة الداخلة في قوله تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)..النساء...19
فمن آلى زوجها منها فله أربعة اشهر لاتملك المطالبة إلا أن يتبين أن قصده الضرار فيمنع من ذلك.
-----
5
[228] {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}..البقرة
وكذلك قوله: [234] {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }...البقرة
التربص المذكور هو الانتظار والمكث في العدة فما الفائدة في قوله (بِأَنْفُسِهِنَّ )
مع أنه يغني قوله (َتَرَبَّصْنَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) و (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)؟
فاعلم أن قوله (بِأَنْفُسِهِنَّ ) فائدة جليلة وهي:
أنّ هذه المدة المحدودة للتربص مقصودة لمراعاة حق الزوج والولد ومع القصد لبرأة الرحم فلابد أن تكون في هذه المدة منقطعة النظر عن الرجال محتسبة على زوجها الأول أن لاتُخطب ولاتتجمل للخُطّاب ولاتعمل الأسباب في الاتصال بغي زوجها،ويدل على هذا المعنى قوله:
[234] { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}..البقرة
أي من التجمل والتبهي ولكن بالمعروف على غير وجه التبرج المحظور ،ويدل على هذا قوله في الآية الأخرى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [240]..البقرة..
فلم يأمر هذه المرة أن يتربصن بأنفسهن بل جعلها وصية تتمتع بها المرأة سنة بعد موت زوجها جبرل لخاطرها ولهذا رفع الحرج عنها بالخروج،وأنها بعد الخروج لها التجمل المعروف وقبل ذلك.كما جبر الورثة قبلها لأجل زوجها فعليها العدل وترك التجمل وهذا يبين أن الآية الأولى ليست بناسخة لهذه الآية بل تلك علامة لازمة وهذه وصية تمتيع غير متحتمة والله أعلم.
-----
6
{* قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كثيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}..41...آل عمران
في أمر الله تعالى لزكريا بالذكر بالعشي والإبكار بعد البشارة له بيحيى عليهما السلام،
وفي أمر زكريا لقومه بتسبيح الله بكرة وعشيا تنبيه على شكر الله تعالى على النعم المتجددة لاسيما النعم التي يترتب عليها خير كثير ومصالح متعدة،
وأنّه ينبغي للعبد كلما أحدث الله له نعمى أحدث لها شكرا،وأنّ أفضل أنواع الشكر الإكثار من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه.
------
7
لما قُتل من قتل من الصحابة شهداء في سبيل الله أنزل الله على المسلمين: بلغوا إخواننا أنّا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه فتلوها مدة فأنزل الله بدلها
[169 ـ 171] {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}...آل عمران
وفي هذا حكمة ظاهرة فإنه مناسب غاية المناسبة أن يخبر الله عنهم إخوانهم واصحابهم وأحبابهم بخصوصهم ليفرحوا وتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم ويُقدموا على الجهاد،فلما حصل هذا المقصود وكان هذا الحكم ثابتافيمن قُتل في سبيل الله إلى يوم القيامة،وكان من بلاغة القرآن وعظمته أنه يخبر بالأمور الكلية ويذكر الأصول الجامعه أنزل الله هذه الآيات العامات المحكمات حكمة بالغة ونعمة من الله على عباده سابغة.
ونظير هذا أنه كان مما يتلى ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)الخ..
فنسخ لفظهما وجعل الشارع الرجم بوصف الإحصان لأنه هو الصفة الموجبة لاوصف الشيخوخة ولكن في ذكر الشيخ والشيخة من بيان شناعة هذه الفاحشة ممن وصل إلى هذه الحالة وقبحها ورذالتها مايوطن قلوب المؤمنين في ذلك الوقت الذي كانت القلوب يصعب عليها هذا الحكم على الزنى الذي كانوا آلفين له في الجاهلية فلم يفاجأهم بحكم الرجم دفعة واحدة بل حكم به على الشيخ والشيخة اللذين ماتت شهوتهما ولم يبق لهما إرادة حاملة عليه إلاخبث الطبع وسوء النية،فلما توطنت نفوسهم على قبحه شرع لهم الحكم العام والله أعلم.