*^ لبلة ^*^
تقوم لبلة على مرتفع يشرف على النهر الأحمرrio Tinto ، ويذكّر مظهرها
العام بمدن المغرب المسورة ، كانت لبلة، "الحمراء " للون أسوارها عاصمة
لكورة أندلسية مهمة فيما بين القرنين السابع والثالث عشر، وكانت تشمل
مساحة شاسعة انقسمت إلى أعمال تابعة لها.
فتحها المسلمون في سنة712 وكانت في الماضي محلة رومانية وقوطية على
جانب من الأهمية وكان اسمها ايليبولا Ilipula أو ايليبلا Elepla، وقد
تمرد أهلها بعد الفتح فعاود المسلمون الاستيلاء عليها. وقد كانت لبلة
مسرحا لتمردات متكررة ضد السلطة المركزية في قرطبة وضد ملوك الطوائف
فيما بعد. وعندما ضمّت إلى الدولة المرابطية عادت لبلة لتصبح بؤرة
للتمرد تحت قيادة ابن قسي الذي جذبت تعاليمه الصوفية الهرطقية كثيرا من
المريدين وانتهت إلى القطيعة مع الدولة. لكن المدينة خضعت نهائيا
للموحدين في سنة1155 ، فعندما حاولت التمرد والانفصال عنهم هاجموها
وقتلوا كثيرا من أهلها. ما أن انهارت دولة الموحدين حتى أعلنت لبلة
نفسها إمارة مستقلة. ومن العام 1234 إلى 1262 أصبحت عاصمة مملكة ضمت
الكورة برمتها تحت قيادة شعيب بن محمد بن محفوظ. لكن سرعان ما أعلنت
لبلة الولاء والتبعية لعرش قشتالة في سنة 1253 وكسبت رعاية القشتاليين
لدورها كحاجز يحول دون التوسع البرتغالي، كما أن مملكة قشتالة كانت
تجني منها كثيرا من الاتاوات. إلا أن الفونسو العاشر قرر القضاء على
مملكة ابن محفوظ فحاصر المدينة طويلا ودخلها في سنة 1262. حصل ابن
محفوظ على امتيازات في اشبيلية وللمرة الأولى، في حالات الاستيلاء على
المدن بالقوة، سمح لأهل لبلة بالبقاء فيها.
مجتمع غير متجانس
ضمت لبلة في عهد الأندلس خليطا من السكان غير المتجانسين، فنظرا لخصوبة
أراضيها لا ريب في أن كثيرا من أبناء القبائل العربية أقامت فيها ، فمن
تلك الأصول انحدرت شخصيات بارزة كالجغرافي والمؤرخ البكري. وكانت مسقط
رأس أسلاف ابن حزم، صاحب "طوق الحمامة" ، المؤلَّف الذي طبّق صيته
الآفاق. وقد عاد ابن حزم، بعد حياة حافلة سياسياً وفكريًا، ليقضي أيامه
الأخيرة في لبلة ومات فيها سنة 1063.
الأسوار
قامت مدينة لبلة الإسلامية فوق الموقع الروماني والقوطي القديم، وهذا
الموقع الوسيط ما بين البحر والسهول الخصيبة جعل منها مركزا تجاريا
وزراعيا مهما. يبدو جليا استخدام العرب لمواد البناء المتوافرة في
المكان وهو ما أضفى على المدينة صبغة الاستمرارية. والأسوار هي الأثر
الأهم الذي تركه العهد الإسلامي دون أدنى ريب. لقد استفاد المسلمون من
تلك القائمة فعدّلوا فيها وقاموا بتوسيع تحصيناتها.
أكثر النقاط منعة في نسيج الأسوار تلك الواقعة في الزاوية الشمالية حيث
كانت القصبة، التي ربما تعود إلى القرن العاشر، والتي شغل مكانها في
القرن الخامس عشر قصر آل غوثمان Guzmanes، أصحاب كونتية لبلة والذي
يحتضن في داخلها أحد الأبراج الإسلامية وقد غلّف ببرج مسيحي.
للمدينة أبواب خمسة كلها ذات عقود عربية ومدخل منعطف محمية بأبراج
مربعة. ولم يتبق من آثار المدينة الإسلامية سوى أجزاء نجدها في كنيسة
سانتا ماريا دي لا غرانادا Santa Maria de la Granada وتعود للمسجد
الجامع الذي يعتقد انه بني في عصر الخلافة الأموية فوق معبد قوطي وتمت
فيه تغييرات اقدم عليها أمراء الطوائف والموحدون من بعدهم.
*^ الشرف^*^
مع توجهنا غربا تطالعنا الشرف. أغنى بقاع اشبيلية الإسلامية. فبسائطها
الحمراء الخصبة كانت مرتادا لأرستقراطيي اشبيلية الذين أقاموا فيها
المنيات والمنتزهات. ارتسمت ملامح الشرف في العهد الإسلامي وترك
الموحدون فيها آثارا قيمة قبل أن يتقاسمها النصارى.
اصبح حصن الفرج San Juan de Aznalfarache أحد مراكز الإقليم مع نهاية
القرن الثاني عشر، وما زالت قائمة أطلال سورها التي أمر الخليفة يعقوب
المنصور ببنائها من بلاط مراكش.
إذا انعطف السائح وسار في طريق ريفية فرعية سيلتقي بعد بضعة كيلومترات
وغير بعيد عن بوليوليوس دي لا ميتاثيون Bollullos de la Mitacion صومعة
كواتروفيتاسErmita de Cuatrovitas وهي أثر غريب باق من القرية المسلمة
التي هجرت وانتهت الى الاندثار. وما الصومعة سوى مسجد القرية الذي يكاد
يحافظ على معالمه كاملة.
ويتبدى الإرث الموحدي في غنى عمارة الشرف المدجنة، فأنماطها تنحدر
مباشرة من مواصفات العمارة الإسلامية. ونلتقي دليلا على ذلك في صوامع
قريتي خيلو Gelo وكاستيليخا دي تل حارة Castilleja de
Talharaالمهجورتين، وكذلك في كنائس بلدتين كانتا في عهد الإسلام من
مراكز الإقليم: حصن القصرAznalcazar وسانلوكار لا مايور Sanlucar la
Mayor . نرى في محلة سانلوكار، وهي شلوقر القديمة، أطلال السور المبني
بالطوب والقرميد والمعروف باسم أسوار كاركافا Carcava والقريبة من
كنيسة سان بيدرو القوطية المدجنة التي استغلت مئذنة جامع كبرج
لنواقيسها.
في جهة الغرب، صوب لبلة وبعد اجتياز وادي عمارGuadiamar ، تنبسط سهول
تيخادا لا فييخاTejada la Vieja، وفي مرتفع فيها أطلال قلعتها المبنية
بالطوب. وثمة قلعة صغيرة فيها ربما ترجع الى عهد الموحدين ومبنى يحتمل
كونه رباطا أو مخزن حبوب اصبح فيما بعد كنيسة سان بارتولومي دي
فيليالبا دي ألكور San bartolome de Villalba de Alcor.
*^ يابرة ^*^
غاب ذكرها في القرون الأولى من الحضور الإسلامي في الأندلس. كانت في
عصر الطوائف تحت سلطة المملكة التي أقامها بنو الأفطس في بطليوس، ثم
ضمها بنو عباد لمملكتهم الاشبيلية في سنة 1050.
وقعت سنة 1094 في يد قبائل الصحراء ودام الأمر كذلك حتى سنة 1144 عندما
ثار أبو محمد سيدراي أو سيدراتي بن الوزير الذي أيد رأي المتمرد ابن
قسي المعتصم في مارتلة. وفي سنة 1151 قبل صاحب يابرة المذكور بسلطة
الموحد عبد المؤمن. وسرعان ما وقعت المدينة بعد سنوات معدودة في قبضة
النصارى.
إن السطور التي خصّ بها الجغرافي الادريسي مدينة يابرة منطلق حسن لرسم
حال المدينة في ذلك العصر، فقد تبدّت للزائر في النصف الأول من القرن
الثاني عشر كمدينة مبنية فوق تل غير مرتفع تحيط بها الأسوار.
ما يطلق عليه اليوم السور القديم هو ما تبقى من أسوار Liberalitas
Iulia الرومانية. وكان ليابرة قصبة لا نعلم عنها سوى الشيء اليسير. كما
ضمّت مسجدًا جامعًا حلّت الكاتدرائية محلّه في القرن الثاني عشر.
*^ شريش ^*^
كانت تتبع كورة شذونة. كان ذكرها قليلا حتى وقعت تحت سلطة بربر بني
خزرون مع انحلال الخلافة الأموية. استولى عليها بنو عباد الاشبيليين
سنة 1069 لتنتهي فيما بعد في أيدي المرابطين. وفي القرن الثاني عشر
حصّنها الموحدون بأسوار منيعة.
سقطت نهائيا في يد الفونسو العاشر سنة1264، ومنذ ذلك التاريخ وعلى
امتداد حوالي قرنين لعبت دورا بارزا لوقوعها على حدود قشتالة مع مملكة
بني نصر.
تحددت ملامح شريش في عهد الموحدين الذين بنوا لها سورا من الطوب ما
زالت بعض أجزائه بادية. كما نتلمس اليوم في زاوية المدينة الجنوبي
قصبتها القديمة التي تعرضت لتغييرات بالغة. إلى جانب أحد أبواب القصبة
نلتقي بقايا حمام من العهد الإسلامي بأجنحته الثلاث، وريث الحمام
الروماني.
مسجد قصر شريش بات كنيسة سانتا ماريا لا مايور ويحافظ على بساطة واناقة
مصلاه، وهو عبارة عن قاعة مربعة الشكل تعلوها قبة، وكذلك صحن الجامع مع
بحرة الميضاءة والمئذنة.
وكانت هناك مساجد أخرى أقيمت مكانها كنائس سان ماتيو وسان لوقاس وسان
خوان وسان ماركوس وسان ديونيسيو، بينما شغل موقع المسجد الجامع مبنى لا
كوليخياتا Colegiata . كما تنتشر في ضواحي المدينة أبراج للمراقبة تشكل
شبكة محكمة تهيمن على الأماكن الاستراتيجية.