تعيينه إماماً خاصاً للملك خالد
مسجد قصر الخالدية بالطائف وفي عام 1401هـ تم طلب الشيخ علي جابر من المدينة المنورة وتعيينه إماماً خاصاً للملك خالد بن عبدالعزيز في قصره بالطائف، وأعجب الملك به كثيراً وأحبه وقربه إليه، وكان يخصه بجلسات خاصة بدون أي كلفة، حتى كان أشبه بالابن مع أبيه ، وصلى خلفه الصلوات المفروضة وصلاة التراويح في رمضان بمسجد قصره بالطائف، وكان الملك خالد -رحمه الله- حافظاً للقرآن الكريم محباً للخير معروفاً بصلاحه وطيبه .
توجيه الملك خالد له بالإمامة في المسجد الحرامولما حلت العشر الأواخر من رمضان نزل الملك خالد من قصره بالطائف إلى قصر الصفا بمكة المكرمة ليجاور البيت الحرام كعادته في العشر الأواخر من رمضان، لكنه افتقد تلك القراءة الشجية التي ملكت فؤاده طيلة أيامه ولياليه السابقة، وما أن مضت ليلتان للملك بمكة حتى طلب قبل ساعة من صلاة مغرب ليلة الثالث والعشرين إحضار الشيخ علي جابر من قصره بالطائف ، وكانت مفاجأة للشيخ حيث لم يعلم سبب استدعائه المفاجئ والعاجل إلى مكة قبيل صلاة المغرب، ووصل الشيخ علي جابر إلى قصر الصفا بمكة المكرمة وأفطر مع الملك خالد في قصره ليلة الثالث والعشرين وكانت هناك وفود لدى الملك في ضيافته وكان من بينهم الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق رئيس باكستان في ذلك الوقت الذي قام وعانق الشيخ علي جابر ، وعندها أمر الملك خالد الشيخ علي أن يتهيأ ليؤم بالمصلين هذه الليلة في المسجد الحرام، فوقعت المفاجأة فعلاً التي لم يكن يعلم بها أحد سوى أنه أمر مفاجئ مباشر من الملك خالد رحمه الله.
أشجيت يا مزمار داود الملك *** وملكت قلباً خالداً فمن الملك
وغدوت بالقرآن تشرح قصره *** حتى إذا ما غاب إلا الشوق لك
يرجو جوار البيت إلا أنه *** يهوى سماع الآي طراً من فمك
فقضى بجمع عم كلاً حسنه *** وغدا المطاف بنجمه مثل الفلك
وبعد أن تناول الجميع طعام الإفطار وقرب وقت صلاة العشاء توجه الملك خالد والوفود التي معه إلى المسجد الحرام وأدوا صلاة العشاء ثم تقدم الشيخ محمد السبيل وصلى العشر ركعات الأولى من التراويح، وبعدها أمر الملك خالد الشيخ علي جابر أن يتم الثلاث عشرة ركعة الباقية ، فتقدم الشيخ علي وبدأ بصوت جهوري ونغمة مميزة فريدة تأخذ بالألباب قرأ بها آخر سورة الصافات إلى منتصف سورة الزمر حتى رفع صوته وصدح في آخرها بقوة وهيبة عند قوله تعالى : ( الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون . إنك ميت وإنهم ميتون) وكأن الناس تسمعها لأول مرة .. نعم .. طلبه الملك ليسمع منه ذلك عند البيت الحرام ولعل في ذلك حكمة إليهة وإشارة تنبؤه أنه لن يلبث إلا قليلاً، وأن الملك لن يدرك رمضان من العام القادم، حيث وافته المنية بعد أحد عشر شهراً ، في آخر شعبان عام 1402هـ.
تلاوة نادرة للشيخ في أول ليلة يؤم فيها في المسجد الحرام 23-9-1401هـ
انتهت صلاة التراويح تلك الليلة .. لكن ابتدأت هناك أحداث كثيرة ..صوت جديد مميز يصدح في أرجاء المسجد الحرام بصورة مفاجئة ..
وبعد التسليمة الأولى لهذا الصوت قام الناس فوراً ووجوههم صوب الإمام يتحرون ويتساءلون .. من هذا المبدع ؟!..
وبعد الصلاة اجتمعوا عليه ليسلموا ويصافحوه ويعانقوه ، حتى أحاط به رجال الأمن وأخرجوه من بينهم ..
وقد أشفق عليه الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- وأخذ يذب الناس الذين تدافعوا على الشيخ علي ويقول لهم : "ما هو إلا آدمي مثلكم" والناس يتساءلون عنه فقيل لهم إنه (إمام الملك) فصار هذا أول لقب أطلق على الشيخ وتناقله الناس في كل مكان.
ثم انصرف الشيخ مع وفود الملك وأعيان مكة الذين أثنوا على الملك اختياره للشيخ علي وطلبوا منه أن يبقيه إماماً لهم في المسجد الحرام ، فوافق على ذلك، وسرت البشرى والفرحة في أهل مكة المكرمة وزوار بيت الله الحرام.
شاهد الشيخ عبدالله بصفر يتحدث عن أول ليلة للشيخشاهد الشيخ رحمة الله قاري يتحدث عن أول ليلة
ومع ذلك فهناك في الجانب الآخر من لم يفرح بتولي هذا القارئ الفريد الإمامة
وهناك من أحبه لاحقاً وذكر أنه خرج من المسجد الحرام تعصباً لشيخه عندما أخذ هذا الإمام الشاب نوبته بتكبيرته الأولى
يقول الشيخ علي جابر : " جاءت سنة 1401هـ في عهد الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله رحمة الأبرار- فكنت إماما له في المسجد الخاص به بقصره في الطائف وعندما نزل مكة المكرمة, وبالضبط في ليلة الثالث والعشرين من رمضان, طلب -رحمه الله- أن انزل إلى مكة المكرمة ، وما كنت قد أعلمت مسبقاً بأني سأكون إماما للحرم المكي الشريف أو سأتولى الإمامة ليلة ثم يأتي بعدها تعيين رسمي بالإمامة, فنزلت تلك الليلة وبعد الإفطار طلب مني التوجه إلى المسجد الحرام للصلاة بالناس في تلك الليلة, وكان المقرر هو تلك الليلة فقط ولكن بعض من الشخصيات والأعيان الموجودين في مكة طلبوا منه -رحمه الله- أن أبقى في الليالي التالية حتى بعد رحيله -يرحمه الله- إلى الطائف مرة أخرى وبقيت إلى ليلة التاسع والعشرين ثم صدر أمره -رحمه الله- بتعييني إماما في المسجد الحرام" .
ورغم أن الشيخ علي جابر فوجئ بإمامة المصلين في صلاة التراويح إلا أن المصلين لم يشعروا ولم يلاحظوا تلك الرهبة المعهودة على الأئمة عندما يقف لأول مرة على المحراب للإمامة فما بالك بمحراب المسجد الحرام الذي يمر أمامه الطائفون ويصلي خلفه الملايين في ليالي العشر الأخيرة من رمضان, فلم ينتب الشيخ علي جابر رهبة الموقف حيث يقول عن ذلك الموقف : " من حيث الرهبة فلم تأتني، وذلك بحكم أنني سبق أن تعودت الإمامة سابقاً, لكن ما من شك أن الشعور عظيم والإنسان يؤم المصلين بذلك العدد الكثيف في بيت الله الحرام في أول بيت وضع للناس الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً, وهذه السعادة لا يمكن أن تعبر عنها كلمات أو عبارات إنما أقول إنه لم يكن تكليفاً بقدر ما هو تشريف " .
صدور الأمر الملكي بتعيين الشيخ علي جابر إماماً للمسجد الحرامفي شوال من عام 1401هـ أصدر الملك خالد أمراً بتعيين الشيخ علي جابر إماماً رسمياً بالمسجد الحرام، كأول شاب يعين إماماً رسمياً للمسجد الحرام في هذا القرن الهجري وهو في السابعة والعشرين من عمره ، متميزاً بقوة حفظه وجمال صوته وروعة قراءته وثباته في الإمامة مع كونه إماماً خاصاً للملك وحاصل على درجة التعليم الجامعي العالي في الفقه بالامتياز ومعين رسمياً في القضاء ، ولرغبة خاصة من الملك أن يسمعه إماماً في المسجد الحرام ، وطلب وجهاء وأعيان مكة من الملك خالد أن يبقيه لهم إماماُ في المسجد الحرام، وكان ذلك كله مفاجأة للناس ولرئاسة شؤون الحرمين التي تلقت الأمر الملكي المباشر بتعيين الشيخ علي إماماً رسمياً في المسجد الحرام.
بأمر الملك .. إخلاء طرفه من وزارة العدل وتعيينه محاضراً بالمدينةوبطلب من الشيخ علي جابر -رحمه الله- صدَر أمرٌ كريم من جلالة الملك خالد - طيَّب الله ثراه - يقضي بإخلاء طَرَفِ الشيخ علي جابر من وزارة العدل، وتعيينه محاضراً في كلية التربية فرع جامعة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية, وقد باشر العمل فيها في شهر شوال من العام الجامعي 1401هـ .
توجيه الملك خالد بتمكين الشيخ علي جابر من الصلاة الجهرية في فريضة الفجروبعد صدور قرار تعيين الشيخ إماماً رسمياً في المسجد الحرام وجهته رئاسة شؤون الحرمين بإمامة المصلين لصلاة العصر في المسجد الحرام، وقد استغرب الناس ذلك وافتقد المصلون صوت قراءة الشيخ الذي هز أفئدتهم في صلاة القيام في رمضان 1401هـ وعرفوا جمال صوته وعذوبة قراءته وجودة حفظه ، ولما طال انتظارهم ألا يسمعوا صوت (إمام الملك) في صلاة جهرية ؛ طلبوا ذلك من الملك خالد الذي عينه إماماً بالحرم وأوصلوا صوتهم إليه، ويذكر أن رئاسة شؤون الحرمين عللت تعيين الشيخ لصلاة العصر دون الصلوات الجهرية بسبب التزام أئمة كبار لفرضي المغرب والعشاء منذ سنوات طويلة ووجود الحرج من تغيير ذلك، فجاء توجيه الملك خالد بتمكين الشيخ علي جابر من إمامة صلاة الفجر بالمسجد الحرام.
كما وجه جلالته الرئاسة بشراء سكن مناسب للشيخ قرب المسجد الحرام، إلا أن ذلك لم يتم حيث طال أمده من قبل الرئاسة إلى تقدم الشيخ لظروفه بطلب إعفائه من الإمامة الرسمية بالمسجد الحرام، وكان الشيخ يستأجر للسكن في مكة طيلة فترة إمامته الرسمية بالمسجد الحرام.
مقطع قديم من البث الإذاعي لأذان وصلاة الفجر من المسجد الحرام بإمامة الشيخ علي جابر رحمه الله خطبة الخسوف في الحرم المكيفي منتصف شهر ربيع الأول عام 1402هـ صلى الشيخ علي جابر "رحمه الله" بالناس صلاة الخسوف في المسجد الحرام وخطب خطبة الخسوف ارتجالاً في الحرم المكي ، حيث لم يكن يعلم الناس سابقاً بالخسوف أو الكسوف إلا حين يروه، فقرأ الشيخ سورتي الكهف ويس وخطبة خطبة موجزة بين فيها عظمة الله في تصريف هذا الكون وحث فيها الناس على التوبة والعودة إلى الله.
استمع لمقطع من خطبة الخسوف بالحرم المكي للشيخ علي جابر 1402هـمرض الشيخ في منتصف عام 1402هـوكان الشيخ يصدح بصوته الجهوري في أرجاء المسجد الحرام في صلوات الفجر منذ أواخر عام 1401هـ إلا أنه أصيب بالعين وقيل بالسحر وفقد فجأة صوته والقدرة على التكلم في منتصف عام 1402هـ مدة تقارب الثلاثة أشهر مكث خلالها في المدينة المنورة ثم في مدينة جدة للعلاج والرقية حتى عاد له صوته بفضل الله تعالى، ثم رجع الشيخ مجدداً إلى إمامة صلاة الفجر في المسجد الحرام.
وفاة الملك خالد وفي آخر شعبان من عام 1402هـ توفي الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - ، فحزن الناس عليه كثيراً ، إذ كان رحمه الله معروفاً بطيب النفس والرفق وحب الخير وحافظاً للقرآن الكريم، وشهدت البلاد في عهده طفرة ورخاء لم يكن له مثيل في تاريخها في سبع سنين سمان، وكانت علاقته بالشيخ علاقة قوية جداً حتى كأنها بين أب وابنه ، وأراد أن يصطفيه لنفسه إماماً إلا أن الناس طلبوه منه وأرادوه عند البيت الحرام ولم يكن يكره الخير لإمامه ولا للناس ، وكان يشفق على الشيخ وقال له ذات مرة بعد تعيينه في الحرم : "أنت محسود يا شيخ" وقد حزن الشيخ عليه كثيراً وبكاه ، وكثيراً ما كان يذكره بخير حتى سمى ابنه الأول باسم ابيه (عبدالله) وابنه الثاني باسم الملك (خالد) وفاءً لذلك الملك الصالح رحمه الله .
رمضان 1402هـ بدأت صلاة التراويح في المسجد الحرام هذا العام من الليلة الثانية لتأخر إعلان دخول الشهر الكريم، وصلى بالناس ثلاثة أئمة هم : الشيخ عبدالله الخليفي والشيخ محمد السبيل والشيخ علي جابر.
وعرف عن الشيخ علي جابر "رحمه الله" قوة حفظه وثباته في الإمامة ، وفي العشر الأواخر من رمضان عرض على الشيخ علي جابر أن ينفرد بإمامة صلاة التهجد كاملة دون المشاركة في التراويح ،في تلك الليالي العشر فوافق على ذلك ، وكانت صلاة التراويح يؤمها الشيخان الخليفي والسبيل بقراءة حدر سريعة بإتمام جزء كل ليلة ، وفي المقابل كانت صلاة التهجد للشيخ علي جابر وكان يقرأ جزءاً وربع الجزء كل ليلة - عدا ليلة السابع والعشرين قرأ جزءاً كاملاً فقط - بقراءة معتدلة مجودة من أجمل ما سجل له .
وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد انتهاء الركعات الأولى التي قرأ فيها الشيخ النصف الأول من سورة النساء بقراءة مجودة مميزة ومؤثرة ، اعترض رئيس شؤون الحرمين على هذه القراءة المتأنية مطالباً الشيخ أن يغير قراءته إلى الحدر ويسرع بها ، فأكمل الشيخ الصلاة وأتم ما بقي له من سورة النساء والجزء الخامس بقراءة سريعة جداً لم يسمع للشيخ مثلها ، ومع ما كان من أثر ذلك عليه وانتقاله للسرعة في القراءة وتغير وتيرتها ونغمتها بغير إرادته وكثرة المتشابهات في السورة فقد أتم رحمه الله تلك القراءة السريعة الحزينة النادرة بثقة عالية وتتابع سريع دون أي خطأ من قوة حفظه رحمه الله.
ثم في الليلة الخامسة والعشرين وما بعدها عاد الشيخ علي جابر إلى تلاوته المعتادة وبقراءة تأخذ بالألباب هي من أجمل قراءاته في تهجد ذلك العام 1402هـ لسور المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة وغيرها.
الشيخ علي جابر أثناء إمامته صلاة التهجد بالمسجد الحرام ليلة 28-9-1402هـ يقول الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك : "وأذكر أنني صليت خلفه في العام 1402هـ وكيف أنه قرأ قول الله تعالى : "وآخرون مرجون لأمر الله .." إلى آخر الآيات فكادت قلوب المصلين تتفطر من خشية الله ، وتساءلنا عن أعمدة المسجد الحرام كيف استطاعت الصمود مع تلك القراءة التي حركت كل ساكن وعلقت القلوب في السماء!!" .
كما حكى الشيخ عادل الكلباني أنه صلى خلف الشيخ علي جابر في تهجد ليلة التاسع والعشرين من ذلك العام 1402هـ وكيف أن الشيخ أبدع فيها بقراءة عجيبة جداً من أجمل القراءات، وقرأ فيها آخر سورة التوبة وسورة يونس والثمن الأول من سورة هود، وأن الشيخ الكلباني كان يحتفظ بتسجيل نادر لها إلا أنه سرق منه ولم يعد موجوداً بالأسواق.
وفي آخر فجر من رمضان ذلك العام أم الشيخ الناس لصلاة الفجر وقرأ فيها النصف الأول من سورة الرحمن بقراءة مجودة هادئة جداً بترتيل ندي مميز قل أن يقرأ مثله- وإن كان التسجيل ضعيف الجودة حرمنا بتشويشه من نقلها بكامل نداوتها وجمالها - ، وكأنما أراد أن يكون ختام آخر فرض لصلاة الفجر وآخر صلاة جهرية في رمضان ذلك العام بأجمل إبداع وأروع نغمة وأجود ضبط وأهدأ نفس ، ليحبرها في نسمات الفجر تحبيراً في أرجاء المسجد الحرام ونفحات رمضان الأخيرة وقرآن الفجر ... إن قرآن الفجر كان مشهوداً.
ثم مرض الشيخ مجدداً بعد رمضان 1402هـ وانقطع عن الإمامة في المسجد الحرام فترة من الزمن.