32 قوله تعالى: ( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) 35
قال يوم يحمى عليها ولم يقل يوم تحمى في نار جهنم ليدل ذلك على أنها مع حرارة نار جهنم تستعمل لها الآلات المحمية كالمنافيخ ونحوها،فيضاعف حرها،ويشتد عذابها.
وذكر المفسرون رحمهم الله تعالى مناسبة لتخصيص كي جباههم وجنوبهم وظهورهم وذلك لأنه إذا جائهم الفقير السائل صعّر أحدهم بوجهه فإذا أعاد عليه ولاه جنبه فإذا ألح عليه ولاه ظهره،
فاختصت هذه الثلاث لذلك جزاء وفاقا.
وظهر لي معنى أولى من هذا وهو أنّ كي هذه المواضع الثلاثة هي أشد على الإنسان من غيرها،وهي متضمنة لجهاته الأربع الأمام والخلف واليمين الشمال،وهذه الوجوه التي يخرج منها الإنسان فلما مُنعوا الواجب عليهم منعا تاما من جميع جبهاتهم وجُوزوا بنقيض مقصودهم؛فإن مقصودهم من المنع التمنع بتلك الأموال،وحصول النعيم بها،وخوف وحرارة فقدها لو بذلوها،فصار المنع هو عين العذاب.
فلو أنهم أخرجوها وقت الإمكان لسلموا من كيها وفازوا بأجرها ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلّم ((إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا من بيديه ومن خلفه وعن يمينة وعن شماله))
وفي اللفظ الآخر: ((هم الاخسرون ورب الكعبة))
جزء من حديث للبخاري ومسلم
فمن خسارتهم أنهم فاتهم ربح أموالهم وسلامتهم ومن تبعتها وكيها؛ويؤيد هذا: أن المعنى الذي ذكره المفسرون ليس في اللفظ مايدل عليه، وليس أيضا لازما لكل مانع؛فقد يمنع الفقير والسائل وهو بغير تلك الصفة، وقد يكون عنده حق واجب لايطلب ويسأل أن يعطاه فيستحق هذا الجزاء. والله أعلم.
33
قوله تعالى:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ..﴿٣٦﴾..التوبة
دليل على أن هذه الشهور المعروفة قد ألهم الله العباد لها وفطرهم عليها، وأنّ
ذلك موافق لقدره وشرعه، ويستدل بها من قال: إنّ اللغة إلهام من الله لا
اصطلاح اصطلح عليه العقلاء؛ والله أعلم.