4 جواااهر
*وفي سنن النسائي في جزء من رواية عن عبد الله بن عمرو: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:“لا صام َ مَن صام َ الأبدَ، ولَكن أدلُّك َ علَى صَوم ِ الدَّهر ِ ثلاثة
ِ
أيَّام ٍ من َ الشَّهر”.
شهر رمضان
هو الشهر التاسع في السنًة الهجرية، وهو من أكثر الشهور الهجرية مباركة
وخصوصية ً لدى المسلمين، لكون الله عز وجل فرض عليهم الصيام في جميع أيام
هذا الشهر كواحدة من العبادات التي تقرب المسلم من ربه وتزيد في حسناته
وتدخله الجنة، بالإضافة إلى كون الصيام في هذا الشهر واحد من الأركان الخمس
التي يقوم عليها الإسلام إلى جانب الصلاة، والزكاة، والحج.
مميزات شهر رمضان
تميز شهر رمضان عن غيره من الشهور الهجرية بعدد من المميزات التي جعلها
الله تعالى حصرا ً على هذا الشهر، والتي تجعل منه شهرا ً مميزا ً وخاصا ً لدى
المسلمين، والتي تتمثل في التالي:
الصيام، الصوم أيام شهر رمضان جميعها هو الصوم الوحيد المفروض من الله
تعالى على المسلمين، أما صوم عاشوراء وأيام الاثنين والخميس ويوم عرفة
وغيرها فهي من الأيام المحبب صومها دون وقوع وجوبها على المسلمين، قال
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِين َ آمَنوا كتِب َ عَلَيْكمْالصِ يَام كَمَا كتِب َ عَلَى الَّذِين َ مِ ن قَبْلِكم ْ لَعَلَّكم
تَتَّقونَ ).
صلاة التراويح، وهي الصلاة التي تتبع صلاة العشاء، ويكون وقتها من بعد صلاة
العشاء إلى قبل صلاة الفجر بقليل. صدقة الفطر، حيث يتوجب على كل مسلم
ومسلمة عاقل ومقتدر على تقديم صدقة الفطر عنه وعن أفراد عائلته الذين يعولهم،
َ
مع ضرورة تقديم الصدقة لفقراء المسلمين والمحتاجين، جاء في الحديث: (فَرَ ض
ٍ
اللَّ َّ ِ صَلَّى الله عليه وسلَّم َ زَ كَاة َ الفِطْر ِ صَاعًا مِ ن تَمْ رٍ ، أو ْ صَاعًا مِ ن شَعِير رَ سول
َ
علَى العَبْد ِ والحرِ ، والذَّكَر ِ والأنْثْى، والصَّغِير ِ والكَبِير ِ مِ ن َ المسْلِمِ ينَ ، وأَمَر َ بهَا أن
ِ
إلى الصَّلاَ ة ِ تؤَ دَّى قَبْل َ خروج ِ النَّاس
نزول القرآن الكريم في شهر رمضان،
وجعل ليلة القدر إحدى لياليه، التي هي خير من ألف شهر، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَ لْنَاه
فِي لَيْلَة ِ الْقَدْرِ ).[٦]
فضل شهر رمضان وصيامه
ذكر شهر رمضان في السنة النبوية والقرآن الكريم عدة مرات، مع توضيح مفصل
لفضل هذا الشهر الكريم وفضل الصيام به، والتي تتمثل في التالي
تفتح الجنة في شهر رمضان وتغلق النار، كما يقيد كبراء الشياطين وعظماؤهم
خلال هذا الشهر الكريم، فيكون للمسلم الفرصة الكبرى في تجنب المعاصي
والتقرب من الله تعالى بالعبادات والطاعات التي تقربه من الجنة وتبعده عن النار.
غفران الذنوب، قدم الله تعالى لصائم رمضان إيمانا ً واحتسابا ً ثوابا ً عظيما ً ألا وهو
غفران الذنوب السابقة لصوم رمضان، إلا أن الصوم هنا لا يعني صومعن الطعام
والشراب فقط، بل يمتد ليشمل صوم اللسان والعقل والقلب والحواس عن ارتكاب
المعاصي والذنوب.
فتح أبواب المغفرة والتوبة، للتقرب من الله تعالى وتطهير النفس من الذنوب
والتوبة إلى الله تعالى توبة ً صحيحةً.
تحقيق التكافل الاجتماعي، فيه يشعر المسلمون الأغنياء أثناء صومهم بالمسلمين
الفقراء وحالة الجوع التي يعيشونها معظم الوقت، مع تحقيقهم لمبادئ التكافل
الاجتماعي التي حددها الإسلام من صدقة وزكاة غيرها.
شروط الصوم:
وهناك شروط ذكرها أهل العلم لا بد من توفرها حتى يجب الصوم على العبد،
وهي: أن يكون مسلما بالغا عاقلا مقيما قادرا خاليا من الموانع الشرعية.
فلا يصح الصوم من الكافر، فإن أسلم في أثناء الشهر، صام الباقي, ولا يلزمه
قضاء ما سبق حال الكفر، ويقضي اليوم الذي أسلم فيه، إن أسلم أثناء النهار،
نص عليه الإماممالك، والإمامأحمدوغيرهما.
ولا يجب الصوم على الصغير غير البالغ لعدم التكليف، ولكنه يصح منه، ويكون
في حقه نافلة، ولو أفطر في أثناء النهار فلا شيء عليه، ويستحب تدريبه على
الصوم ليعتاد عليه، ولئلا يجد صعوبة فيه حال البلوغ، فقد ثبت في الصحيح من
حديثالرُ بيِع بنت معوِ ذرضي الله عنها أنها قالت في صيام عاشوراء لما فُرض:
(كنا نُصَوِ م ُ صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العِهْنِ ، فإذا بكى أحدهم على الطعام
أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار) رواهالبخاريومسلم.
ولا يجب الصوم على مجنون, ولو صام حال جنونه, لم يصح منه؛لأن الصوم
عبادة مفتقرة إلى النية، والمجنون لا يتصورمنه النية، وفي الحديث الصحيح
عنعليرضي الله عنه مرفوعا: (رُ فِع َ القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ،
وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)رواهأبو داودوغيره.
ولا يجب الصوم على غير القادر لمرضدائم،أو كِبَر، وعليه إطعام مسكين عن
كل يوم. ولا يجبعلى المسافر، والمريض مرضا عارضا،ولكنهما يقضيانه حال
زوال عذر المرض أو السفر؛ لقولهجل وعلا: (فمن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر) (البقرة:184).
ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء، بل يحرم عليهما، ولا يصح منهما؛
لوجود المانع الشرعي، ولو جاءهاالحيض أو النفاس أثناء الصوم، بطل صوم
ذلك اليوم، ويجب عليها أن تقضي الأيام التي أفطرتها بعد رمضان.
والطهارة ليست شرطا لصحة الصوم، فإذا تسحر الجنب، وشرع في الصوم، ولم
يغتسل، صح صومه، وكذلك لو طهرت المرأة من الحيض في الليل ولم تغتسل،
وصامت يومها التالي صحالصوم منها
.
الأعذار المبيحة للفطر
رَ فْع الحرج وعدم إلحاق الضرر والمشقة بالمكَلَّف من المقاصد الأساسية التي
راعتها الشريعة الإسلامية، وتظافرت عليها أدلة الكتاب والسنة، وفي ذلك يقول
تعالى: (يريد الله بكم اليسر) (البقرة:185)، ويقول سبحانه: (يريد الله أن يخفف
عنكم) (النساء:28)، ويقول عز وجل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)
(الحج:78)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره
أن تؤتى معصيته)رواهأحمد، وفي رواية: (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه،
كما يحب أن تؤتى عزائمه)رواهالبيهقيوغيره.
وقد قرر أهل العلم استنادا ً إلى هذه النصوص عددا ً من القواعد الفقهية، التي تفيد
رفع الحرج وإزالة الضرر والمشقة عن المكلف؛ من ذلك قولهم: "المشقة تجلب
التيسير"، وقولهم: "الضرر مدفوع شرعاً"، وقولهم: "الأمر إذا ضاق اتسع"،
ونحو ذلك مما أصَّله الفقهاء في قواعدهمالفقهية.
وصيام رمضان وإن ْ كان فرضا ً على كل مكَلَّف عاقل بالغ، إلا أن هناك بعض
العوارض والأعذار التي قد تطرأ على المكلف، فتصرف عنه حكم الوجوب،
ويباح له الفطر حينئذ، وربما وجب في حقه كما في حالات معينة، وهذه العوارض
هي ما يعرف بـ "رخَص الفطر" أو "الأعذار المبيحة للفطر" ومنها:
أولاً: المرض
والمرض تغيُّر يطرأ على الإنسان يخرجه عن طبيعته السوِ ية، وهو من الأعذار
المبيحة للفطر؛ لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر ٍ فعدة من أيام
أخر) (البقرة:184)، وضابط المرض المبيح للفطر هو المرض الذي يخاف معه
الضرر والهلاك، أو يلحقه به مشقة شديدة تزيد في مرضه، أو تؤخر برْ ءه
وشفاءه، فهذا هو الذي يجوز الفطر معه، ويقضي ما أفطره عند زوال عذره، أما
المرض الذي لا يلحق الصائم معه ضرر أو مشقه، كمن به وجع ضرس، أو
أصبع، أو نحو ذلك، فلا يرخص له في الفطر.
ثانياً: الكِبَر
الشيخ الكبير والمرأة العجوز يرَ خَّص لهما في الفطر، لعدم القدرة على الصيام،
ولا قضاء عليهما إذا كان الصيام يشق عليهما مشقة شديدة في جميع فصول السنة،
وعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، لقوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية
طعام مسكين)(البقرة:184)، قالابن عباسرضي الله عنهما: "الآية ليست
منسوخة، وهي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان
مكان كل يوم مسكينًا"، ومثلهما المريض مرضا ً لا يرجى برْ ؤه، ويشق عليه
ً
الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا.
ثالثاً: الحمل والرضاعة
اتفق الفقهاء علىأنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على نفسيهما، أو
ولديهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر
الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم)رواهالنسائيوغيره، ويجب عليهما
قضاء ما أفطرتا من أيام أخَر، حين يتيسر لهما ذلك، ويجب التنبههنا أن مجرد
الحمل والرضاعة لا يبيحان الفطر في رمضان، وإنما الذي يبيح الفطر هو خوف
الحامل والمرضع على نفسها أو ولدها.
رابعاً: السفر
المسافر إذا لم يقصد بسفره التحَيُّل على الفطر، فإنه يرخص له فيه، لقول الله
تعالى: (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر ٍ فعدة منأيام أخر) (البقرة:184،)
ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم: (إن الله وضع عن المسافر
الصوم)، والسفر المبيح للفطر هو السفر الطويل الذي تقصر فيه الصلاة الرباعية،
ويجب عليه القضاء بعد ذلك، وهو مخَيَّر في سفره بين الصوم والفطر،
لقولأنسرضي الله عنهكما في "الصحيحين": (سافرنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في رمضان، فلم يعِب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم)،
وفي صحيحمسلمعنأبي سعيد الخدريرضي الله عنه قال: (كانوا يرون أن من
وجد قوة فصام، فإن ذلك حسن، وأن من وجد ضعفا ً فأفطر، فإن ذلك حسن).
خامساً: دفع ضرورة
يرخص الفطر-وربما يجب-لدفع ضرورة نازلة، كإنقاذ غريق، أو إخماد
حريق، ونحو ذلك، إذا لم يستطع الصائم دَفْع ذلك إلا بالفطر، ويلزمه قضاء ما
أفطره، ودليل ذلك عموم الأدلة التي تفيد رفع الحرج، ودفع الضرر، والقاعدة أن
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومثله ما لو احتاج إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله، وقتال العدو، فإنه
يفطر ويقضي ما أفطر، سواء كان ذلك في السفر أو في بلده إذا حضره العدو،
وفي صحيحمسلمعنأبي سعيد الخدريرضي الله عنه قال: "سافَرْ نا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى مكةَونحن ْ صيام، فنَزلْنا منْزلاً، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم)فكانت رخصة، فمنا
من صام، ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلا ً آخر، فقال: (إنكم مصبحو عدوكم، والفطر
أقوى لكم، فأفطروا)وكانت عَزَ مَة، فأفطرنا".
هذه هي أهم الأعذار المبيحة للفطر شرعها الرؤوف الرحيم بعباده؛ رفعا ً للحرج
والعنت عن العِباد، ودفعا ً للضرر والمشقة عنهم، منها ما يلْزم صاحبها بقضاء
ً
الأيام التي أفطرها كما في حق المسافر، والمرضع، والحامل، والمريض مرضا
يرجى شفاؤه، ومنها ما لا يلزمه قضاء تلك الأيام كما في حق الكبير، والمريض
مرضا ً لا يرجى شفاؤه، وإنما تلزمهم الفدية فحسب، وهي إطعام مسكين عن كل
يوم أفطروه، وأما الفطر في رمضان من غير عذر، فهو من كبائر الذنوب، التي
ورد الوعيد الشديد تجاه مرتكبها.