يقع التأمين العقاري على العقارات بشكل عام و لا يقع على المنقولات إلا استثناء , كما في المركبات و السفن و الطائرات التي يقع عليها ما يماثل التأمين العقاري .
لكن لا تصلح جميع العقارات لأن تكون محلاً للتأمين العقاري , حيث أن المادة 1071 من القانون المدني عددت حصراً العقارات التي يجوز أن يجري عليها التأمين العقاري , فقد نصت على أنه :
" يمكن عقد التأمين على الأشياء الآتية فقط :
1- العقارات المبنية وغير المبنية القابلة للبيع والشراء , و معها جميع ملحقاتها المعتبرة عقارات .
2- حق الانتفاع الجاري على نفس العقارات والملحقات مدة قيام هذا الحق .
3- حقوق الإجارتين و المقاطعة .
4- حق السطحية " .
ولابد من التمييز في هذا السياق بين المال المرهون و المال الذي يثقله التأمين العقاري :
فالأول هو محل التأمين العقاري الأصلي عند انعقاده ؛
بينما الثاني هو العقار المرهون وما يمتد إليه التأمين العقاري لاحقا ً, كما هي الحال بالنسبة للتحسينات التي يدخلها المدين الراهن على عقاره المرهون بعد إنشاء التأمين العقاري .
شرائط المال القابل للتأمين العقاري
يشترط في المال المرهون أن يكون :
1) عقاراً أو حقاً عقارياً .
2) يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني .
3) مملوكاً للراهن ملكية حاضرة غير مقيدة .
أولاً- يجب أن يكون المال المرهون عقاراً :
المال المرهون قد يكون عقاراً أو حقاً عينياً عقارياً آخر .
1- العقارات المبنية و غير المبنية القابلة للبيع و الشراء ومعها ملحقاتها المعتبرة عقارات :
تشـــمل هذه العقارات العقار بطبيعته , سواء أكان أرضاً معدة للبناء أم مصنعاً أو منزلاً أو غير ذلك . و هذه هي الصورة العادية و الأكثر شيوعاً للتأمين العقاري .
وتعد المناجم من العقارات بطبيعتها فيجوز إنشاء التأمين العقاري عليها بشكل مستقل عن السطح . لكن في التشريع السوري تعتبر المناجم من أملاك الدولة العامة , ولا يمكن بالتالي أن تكون محلاً لأي رهن أو تأمين عقاري .
أما المقالع فلا يجوز إنشاء التأمين العقاري عليها بشكل مستقل عن الأرض التي توجد فيها إلا إذا كان هناك تنازل عن ملكية السفل للغير , فيجوز لمالك السفل أن يجري التأمين العقاري عليه .
2- حق الانتفاع الجاري على نفس العقارات السابقة وملحقاتها مدة قيام هذا الحق :
يرد التأمين العقاري على حق الانتفاع ذاته , أما ثمار الحق المرهون فتبقى للمنتفع يجنيها وتدخل قيمتها في الضمان العام , و لا سلطان للدائن المرتهن عليها .
لكن باعتبار أن حق الانتفاع حق مؤقت ينقضي بانتهاء مدته أو بوفاء المنتفع , فإن رهنه يقع نادراً .
وقد جرت العادة في فرنسا على أن يطلب الدائن المرتهن أن تكون الرقبة ضامنة لدينه إضافة إلى حق الانتفاع , فإذا كان المدين الراهن هو صاحب حق الانتفاع يكون صاحب الرقبة كفيلاً عينياً , و إذا كان صاحب الرقبة هو المدين الراهن يكون صاحب حق الانتفاع هو الكفيل العيني .
وهناك حالات يبقى التأمين العقاري فيها بالرغم من انقضاء حق الانتفاع المرهون أصلاً , كما هي الحال فيما لو حصل الاندغام بين حق الانتفاع وملكية الرقبة , فيستمر التأمين العقاري عندئذ دون أن يمتد إلى الرقبة لأنها لا تعد من متبوعات حق الانتفاع .
وكذلك يبقى التأمين العقاري إذا تنازل صاحب حق الانتفاع عن حقه لمصلحة صاحب الرقبة .
ويكون للدائن المرتهن لحق الانتفاع , في حالة عدم استيفاء دينه , الحق بطلب بيع حق الانتفاع بالمزاد العلني واستيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية . وللشخص الذي وقع عليه المزاد أن ينتفع انتفاعاً عادياً طيلة المدة الباقية للمنتفع الأصلي .
لكن لا يجوز للمالك الذي يملك كلاً من الرقبة وحق الانتفاع معاً أن ينشئ التأمين العقاري على حق الانتفاع وحده .
كذلك لا يجوز للمالك الذي تشمل ملكيته الرقبة وحق الانتفاع معاً أن ينشئ التأمين العقاري على حق الرقبة وحده .
مع أن البعض في فرنســــا يرى أنه يمكن إنشاء التأمين العقاري على حق الرقبة , وهو حق دائم , على عكس حق الانتفاع , وهو حق مؤقت . والتأمين العقاري يمتد عندئذ بقوة القانون إلى حق الانتفاع في حالة الاندغام . ولكن لا يمتد التأمين العقاري إلى حق الانتفاع إذا كان هذا الحق مثقلاً بتأمين آخر بقي سارياً بالرغم من حصول الاندغام .
وحسب الرأي السائد في الفقه الفرنسي , لا يطبق هذا الحل في الحالة المعاكسة , فعندما يكون التأمين العقاري جارياً على حق الانتفاع ويكتسب المدين الراهن فيما بعد حق الرقبة , فلا يمتد التأمين العقاري إلى الرقبة , لأنها لا تعتبر من التحسينات التي تلحق بحق الانتفاع المرهون .
3- حقوق الإجارتين :
تســـمح حقوق الإجارتين , التي تقع بشكل خاص على العقار الملك , لصاحبها باستعمال هذا العقار الموقوف واستغلاله مقابل تأدية ثمنه , وله أيضاً أن يرهن هذه الحقوق ويجري عليها التأمين العقاري .
وبناءً عليه يجوز إنشاء التأمين العقاري على حقوق الإجارتين , لأن البناء المقام على الأرض يعود للمتصرف بالعقار الوقف , بينما تعود رقبة الأرض للوقف .
4- حق المقاطعة ( الإجارة الطويلة ) :
يجوز لصاحب حق المقاطعة , الذي يقع بشكل خاص على العقاري الأميري , كمالك للأبنية والأغراس , أن ينشئ على حقه العقاري تأميناً .
5- حق السطحية :
إنشاء حق السطحية أصبح ممنوعاً في القانون السوري .
لذلك يبقى من الجائز إنشاء التأمين العقاري على حق السطحية الذي كان قد أنشئ قبل حظره في القانون المدني .
ثانياً – يجب أن يكون العقار المرهون مما يصح التعامل فيه و بيعه بالمزاد العلني :
يجب أن يكون العقار المرهون من العقارات التي يجوز التعامل فيها ويجوز بيعها , لأنه في حال عدم دفع الدين المضمون عند استحقاقه يتم بيع العقار بالمزاد العلني .
لذلك لا يصح التأمين العقاري على أملاك الدولة العامة , ولا على أملاكها الخاصة .
ولا يجوز التأمين العقاري على العقارات العائدة للدول الأجنبية , حيث أن أموال البعثات الأجنبية لا تقبل الحجز وتتمتع بالحصانة ضد التنفيذ , فلا يمكن رهنها أو إجراء التأمين العقاري عليها , إلا ما كان منها موضوع تعامل خاضع لقواعد القانون الخاص .
كذلك لا يجوز إنشاء التأمين العقاري على العقارات الموقوفة .
لكن يصح التأمين العقاري من مالك العقار تحت شرط معلق , فيكون التأمين عندئذ صحيحاً ولكنه يخضع لنفس الشرط الذي يخضع له حق الملكية :
o فإذا تحقق الشرط يستقر التأمين العقاري بأثر رجعي وكذلك قيده في السجل العقاري .
o أما إذا لم يتحقق الشرط فيكون التأمين العقاري باطلاً ويزول نهائياً مع قيده .
كذلك يجوز لمالك العقاري تحت شرط الإلغاء أن ينشئ التأمين العقاري على عقاره , ولكن التأمين في هذه الحالة يسقط إذا تحقق الشرط , لأن للشرط أثراً رجعياً , فيكون عندئذ بمثابة التأمين على ملك الغير .
ولا يصح التأمين العقاري على العقار الذي يشترط عدم التصرف فيه عندما يكون هذا الشرط صحيحاً .
كذلك لا يصح التأمين العقاري على حقوق الارتفاق منفردة , لعدم إمكانية بيعها مستقلة عن العقار المرتفق .
ولا يجوز كذلك إنشاء التأمين العقاري على الحائط المشترك بين عقارين المســـــتعمل كســـور أو حاجز .
كذلك لا يصح التأمين العقاري على حق الاستعمال أو حق السكنى , لأنهما من قبيل الحقوق الشخصية وإن تعلقا بعقار , وهما لا يقبلان التصرف و البيع بالمزاد العلني . مع أن البعض يرى أن حق الاستعمال وحق السكنى هما من الحقوق العينية , إلا أنه لا يجوز إنشاء التأمين العقاري عليهما لأنهما غير قابلين للتفرغ ولا للحجز . ولكن يتجه الرأي السائد إلى أن هذا المنع ليس من النظام العام فيمكن الاتفاق على مخالفته وإنشاء التأمين العقاري على هذه الحقوق .
ولا يصح التأمين العقاري على تأمين عقاري آخر أو على كفالة ولا على الدعاوى العينية العقارية التي تعد من العقارات غير المادية .
ولا يصح التأمين العقاري كذلك على المقابر أو الأراضي الموقوفة المعدة للدفن , لأنها خارجة عن دائرة التعامل فلا يجوز حجزها ولا بيعها بالمزاد العلني .
ثالثاً- يجب أن يكون العقار المرهون مملوكاً للراهن ملكية حاضرة خالصة :
في هذا المجال لابد من معرفة حكم التأمين العقاري الذي يجريه المدين الراهن على ملك الغير , وحكم التأمين العقاري الذي يجريه المدين الراهن على المال المستقبل , و كذلك حكم التأمين العقاري الذي يجري المدين الراهن على الملكية المقيدة .
1- التأمين العقاري على ملك الغير
من المعروف أن نظام السجل العقاري في سورية لا يغطي كافة العقارات , نظراً لوجود أراض لم تحدد و تحرر بعد , لذلك تختلف أحكام التأمين العقاري الذي يجريه المدين الراهن على ملك الغير بين العقارات المسجلة في السجل العقاري وتلك التي لم تسجل في هذا السجل بعد .
1- التأمين العقاري على ملك الغير في العقارات المسجلة في السجل العقاري :
التأمين العقاري على ملك الغير أو رهنه , في العقارات المسجلة في السجل العقاري , لا يشكل أية مشكلة , حيث أن القوة الثبوتية المطلقة التي تتمتع بها قيود السجل العقاري تجعل من مكتسب حق ملكية العقار مالكاً له بعض النظر عن نوع السند الذي يحمله .
وعليه فإن التأمين العقاري على ملك الغير لا يسري في مواجهة المالك الحقيقي , وهو ذات الحكم بالنسبة لبيع ملك الغير .
لكن مقتضيات استقرار التعامل انتهت إلى قرار سريان التأمين العقاري في العقارات المسجلة في السجل العقاري الذي يجريه غير المالك في مواجهة المالك الحقيقي في حالات خاصة , وذلك حماية لحقوق الدائن المرتهن حسن النية .
كما هي الحال فيما لو كان المدين الراهن مالكاً للعقار المرهون , ثم زالت ملكيته بالفسخ أو البطلان بأثر مستند . فهنا يبقى التأمين العقاري لمصلحة الدائن المرتهن حسن النية , بالرغم من زوال ملكية المدين الراهن للعقار المرهون و صيرورته رهناً ملك الغير ( م 13 المعدلة من القرار رقم 188 لعام 1926 ) .
لكن يشترط لإعمال هذا الحكم أن يكون التأمين العقاري قد تم تسجيله في السجل العقاري قبل إبطال ملكية المدين الراهن للعقار المرهون .
ويبقى التـأمين العقاري قائماً , لمصلحة الدائن المرتهن صاحب التأمين حسن النية , بالرغم من فسخ أو إبطال عقد المالك الراهن في الحالات الآتية :
1- في حالة سقوط حق المنتفع في الانتفاع بسبب استعماله العقار المنتفع به , الذي كان قد رتب تأميناً عقارياً عليه , استعمالاً غير صحيح .
2- في حالة تنازل المنتفع الراهن عن حقه بالانتفاع بالعقار المرهون , الذي كان قد رتب تأميناً عقارياً عليه , فيبقى التأمين العقاري حتى نهاية حق الانتفاع .
3- في حالة إلغاء عقد المالك الراهن فيما زاد عما تجوز فيه الوصية , أو إذا كان الموصي قد رجع عن وصيته واكتشف هذا الأمر بعد عقد التأمين العقاري .
4- في حالة فسخ عقد المالك الراهن بسبب عدم الوفاء بما التزم به لبائعه , مع جهل الدائن المرتهن هذا الأمر جهلاً كلياً .
2- التأمين العقاري على ملك الغير في العقارات الواقعة في المناطق غير المحددة و المحررة و غير المسجلة في السجل العقاري :
الحقوق العينية في المناطق غير المحددة والمحررة لا تكون ثابتة بصورة مطلقة , وبالتالي يمكن أن تثور فيها مشكلة التأمين العقاري أو الرهن الحيازي على ملك الغير .
وتطبق على هذه العقارات الأنظمة العقارية القديمة والمرسوم التشريعي رقم 12 تاريخ 28/2/1930 المتعلق بتنظيم مكاتب الطابو ومكاتب التسجيل . لكن هذه الأنظمة لا تحتوي على ذات الضمانات التي تقدمها قيود السجل العقاري من حيث إثبات الحقوق العينية العقارية و استقرارها و إعلانها للغير .
وهناك أحكام خاصة في التأمين العقاري على مثل هذه العقارات نفصلها كالآتي :
أ- التمييز بين التأمين العقاري على ملك الغير والتعهد بحمل الغير على أن يجري التأمين العقاري على ملكه ( التأمين العقاري بطريق التعهد عن الغير ) :
يجري التأمين العقاري على ملك الغير من قبل شخص على عقار شخص آخر , وقد فصلنا أحكامه سابقاً .
بينما التأمين العقاري بطريق التعهد عن الغير فهو تصرف صحيح , ويعتبر تعهداً بحمل الغير المالك على إنشاء التأمين العقاري على عقاره وليس تأميناً عقارياً بحد ذاته .
ب- الطبيعة القانونية لعقد التأمين العقاري على ملك الغير :
السؤال الذي يطرح عن حكم عقد التأمين العقاري على ملك الغير هو في معرفة ما إذا كان هذا العقد باطلاً أم قابلاً للإبطال أم موقوفاً .
في الواقع لم يتعرض القانون المدني السوري , ولا نظيره الفرنسي , لحكم عقد التأمين العقاري على ملك الغير , بل تعرضا لحكم عقد بيع ملك الغير .
فقد نصت المادة 434 من القانون المدني على أنه :
" 1- إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه , جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع .
2- وفي كل حال لا يسري هذا البيع في حق المالك للعين المبيعة " .
وعليه فالقانون السوري يعتبر أن بيع ملك الغير قابل للإبطال , ويأخذ التشريع المصري ذات الحكم , بينما يعتبره كل من التشريعين الفرنسي واللبناني أنه بيع باطل .
وبناءً عليه فإن التأمين العقاري على ملك الغير في التشريع السوري يجب أن يقاس على بيع ملك الغير , ويعتبر بالتالي قابلاً للإبطال , مع أن بعض الفقهاء يعده باطلاً كما هو حكمه في القانون الفرنسي .
ويعد التأمين العقاري على ملك الغير في فرنسا باطلاً بطلاناً مطلقاً . وهذا ما أجمع عليه الفقه و القضاء الفرنسيان مستندين في ذلك إلى اعتبار أن التأمين العقاري على ملك الغير هو شكل من أشكال التأمين العقاري على الأموال المستقبلة الذي يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً أيضاً .
وهذا ما أخذ به التشريع اللبناني صراحة .
أما بيع ملك الغير في كل من التشريعين الفرنسي واللبناني فيعد باطلاً بطلاناً نسبياً .
ــ مقارنة آثار قابلية التأمين العقاري على ملك الغير للإبطال مع القواعد العامة في قابلية الإبطال :
ـ هل تستقيم آثار قابلية رهن ملك الغير للإبطال مع قواعد قابلية الإبطال ؟ !
هذا ما سنناقشه فيما يلي :
( أ ) _ من المسلم به أن العقد القابل للإبطال ليس عقداً باطلاً ، و إنما هو عقد صحيح منتج جميع آثاره ، غير أن المشرع قد منح أحد عاقديه حق إبطاله ... فهو يستمر منتجاً جميع آثاره إلى أن يتقرر بطلانه بناء على طلب ذلك المتعاقد .... أي أنه لا فرق بينه و بين العقد الصحيح إلا في أن أحد عاقديه يملك حق إبطاله ، فيجوز له أن يستعمل هذا الحق ، فيبطل العقد ، أو أن ينزل عنه و يجيز العقد فيجعله غير قابل للإبطال .
فإذا نظرنا إلى أحكام بيع ملك الغير في المادة 434 ق.م ، و أحكام رهن ملك الغير إذا ما قيس عليه ، وجدنا هذين العقدين عاجزين عن إنتاج أهم أثر من آثارهما ، و هو انتقال الملكية أو نشوء حق الرهن ... إذ لا نزاع في أن بيع عقار الغير لا يصلح أن يكون سنداً لنقل ملكيته إلى المشتري ... و في أن رهن عقار الغير لا يصلح أن يكون سنداً لقيد حق الرهن لمصلحة الدائن المرتهن .... فلا يستقيم حكمهما إذاً مع حكم قابلية الإبطال .
( ب ) _ و فيما عدا ذلك ، فإن قابلية الإبطال في الأصل تزيلها الإجازة الصادرة من المتعاقد الذي تقررت قابلية الإبطال لمصلحته .... أما قابلية إبطال بيع ملك الغير و رهن ملك الغير ، فلا تزيلها الإجازة الصادرة من المشتري أو من المرتهن ، لأن العقد يظل بالرغم من هذه الإجازة غير منتج أثره من حيث انتقال الملكية أو نشوء حق الرهن .
( ج ) _ و على العكس من ذلك ، هناك عوامل تزيل قابلية الإبطال هذه ، و لا تزيل قابلية الإبطال بوجه عام ، كإقرار المالك الحقيقي ، أو صيرورة البائع أو الراهن مالكاً ، و لو لم تقع إجازة العقد .
يتبين من ذلك أن بيع ملك الغير في المادة 434 ـ و رهن ملك الغير إذا ما قيس عليه ـ لا يتفق حكمهما في القانون المدني لا مع حكم قابلية الإبطال ، و لا مع حكم البطلان ... و لذا قالت المذكرة الإيضاحية في صدد بيع ملك الغير :« إن البطلان هنا خاص أنشأه القانون » .
ويفضل البعض أن المشرع إلى صياغة أخرى تحقق غايته بدلاً من ابتداع صورة مصطنعة للبطلان ، و أن يستقي هذه الصياغة من الفقه الإسلامي الذي يعتبر رهن ملك الغير موقوفاً .
ـ ما الفرق بين العقد الموقوف و العقد القابل للإبطال ؟
# الموقوف باطل إلى أن يصح ،
# أما العقد القابل للإبطال فهو صحيح إلى أن يبطل .
ـ أثر التأمين العقاري على ملك الغير فيما بين الراهن و المرتهن :
يترتب على كون رهن ملك الغير قابلاً للإبطال ، أن يكون حق طلب الإبطال مقصوراً على من قُرّر البطلان لمصلحته ، و هو المرتهن هنا .... فلا يجوز إذاً للراهن أن يطلب الإبطال .
و فيما عدا ذلك فإن قابلية إبطال رهن ملك الغير تزول ، و يغدو العقد صحيحاً في الأحوال الآتية :
1 ـ إذا أجاز المرتهن العقد صراحة أو ضمناً .
2 ـ إذا انقضت سنة من يوم علم المرتهن بارتهانه ملك الغير ، أو خمس عشرة سنة من تاريخ العقد ، دون أن يطالب المرتهن بإبطال العقد خلال هذه المدة .
3 ـ إذا أقر المالك الحقيقي الرهن . و يكون عندئذٍ للإقرار أثر مستند ، فيعد الرهن قائماً من وقت انعقاد العقد .
4 ـ إذا آلت ملكية المرهون إلى الراهن .
- أثر التأمين العقاري على ملك الغير فيما بين المرتهن و المالك :
الأصل أن العقود لا تنفع و لا تضر غير عاقديها و خلفائهم .... و على ذلك لا يكون للعقد الذي يرهن به شـخص عقار غيره أثر بالنسـبة للمالك ... على أن هذا المالك إذا أقر العقد غدا طرفاً فيه ، و تولد للمرتهن حق في مواجهته ، إذ يعتبر عندئذ بمثابة الكفيل العيني للمدين الراهن .
و يكون للإقرار أثر مستند إلى وقت إبرام عقد الرهن ، و ذلك دون إخلال بحقوق الغير الذين اكتسبوا على العقار حقوقاً بين انعقاد الرهن و الإقرار .
و إقرار المالك الحقيقي للعقد ، لا أثر له إذا صدر بعد رجوع المرتهن عن العقد ، ذلك لأن المرتهن لملك الغير ـ شأنه في ذلك شأن مشتري ملك الغير ـ يستطيع أن يتحلل من العقد متى أراد ، قبل أن يقر المالك الحقيقي الرهن .
و إذا امتنع المالك عن إقرار العقد ، كان الرهن غير سارٍ في حقه .
صور أخرى للتأمين العقاري الذي يجريه شخص آخر غير المالك
1 ) - التأمين العقاري الذي يجريه مشتري العقار بعقد غير مسجل في السجل العقاري :
عندما يرهن المدين عقاراً اشتراه قبل أن يسجله باسمه في السجل العقاري , فيعد عندئذ راهناً ما لا يملك , لأن ملكية العقار لا يكسبها المدين الراهن إلا بالتسجيل , فعندما يسجل العقار في السجل العقاري يولد عقد التأمين العقاري آثاره , ولكن لا يصبح هذا العقد نافذاً إلا من وقت التسجيل .
وعلى العكس من ذلك فإن التأمين العقاري الذي يجريه بائع العقار يكون صحيحاً ما دام لم يسجل عقد البيع لاسم المشتري , فهو ما زال المالك الحقيقي للعقار .
وقد أكدت هذا محكمة النقض .
ويمكن للدائن المرتهن , في هذه الحالة , أن يشترط في عقد التأمين العقاري أن يحصل على تعويض معين فيما لو لم يتمكن المدين الراهن من إتمام عقد التأمين معه .
وقد أكدت هذا محكمة النقض .
2 ) - التأمين العقاري الذي يجريه الوارث قبل سداد ديون التركة :
يعد الوارث مالكاً لأموال التركة - ومنها عقاراتها - منذ وفاة مورثه , ولكنه لا يستطيع رهن هذه الأموال أو إجراء التأمين العقاري عليها إلا إذا تم تسجيل حق الإرث في السجل العقاري .
وهذا يعني أن التأمين العقاري الذي يعقده الوارث على أحد عقارات التركة قبل تسجيل حق الإرث لاسمه في السجل العقاري يعد صحيحاً لصدوره من مالك ، بيد أن قيد هذا التأمين في السجل العقاري يكون ممتنعاً ، فإذا ما تم شهر حق الإرث ، تسنى آنذاك قيد الرهن .
3 ) - التأمين العقاري الذي يجريه المالك الظاهر :
المالك الظاهر قد يكون الوارث الظاهر , أو المالك الظاهر بسند صوري , وقد يكون المالك الظاهر باسم مستعار .
أ- التأمين العقاري الذي يجريه الوارث الظاهر :
الوارث الظاهر هو من يحمل نفسه و يحمله الناس على أنه وارث ، ثم يتضح أنه ليس كذلك ، كالوارث الأبعد في درجة الإرث عندما يستولي على مال المتوفى لجهله و جهل الناس بوجود من يحجبه ..... فإذا ما أقدم هذا الوارث الظاهر على رهن المال الذي يتلقاه ظناً من المورث ، فماذا يكون حكم هذا الرهن إذا ما ظهر الوارث الحقيقي و انكشف الأمر ؟
في هذه القضية يصطرع مبدأان : ـ مبدأ احترام ملكية المالك الحقيقي .
ـ و مبدأ استقرار التعامل .
# ويقضي الأول باعتبار رهن الوارث الظاهر رهناً لملك الغير ، غير سارٍ في حق المالك الحقيقي
# أما الثاني فيقضي بتصحيح الرهن ، و لو صدر من غير مالك ، احتراماً لحسن نية الدائن المرتهن ، لاسيما إذا كانت هناك أسباب قوية جعلته هو و الكافة من الناس جاهلين الوارث الحقيقي .
ويبدو أن القضاء و الفقه في فرنسا قد جنحا إلى وجوب تصحيح الرهن ، حمايةً للدائن المرتهن من الوارث الظاهر ، و استناداً في ذلك إلى قاعدة : " الغلط الشائع يولد الحق " . و هو اجتهاد تأباه أحكام نظام الســـجل العقاري لدينا , و من ثم يتعين عدم الاعتداد برهن الوارث الظاهر في التشـــريع السوري .
وفي مصر أقر التشريع بحماية الأوضاع الظاهرة , وبذلك يكون رهن الوارث الظاهر صحيحاً إذا كان الدائن المرتهن حسن النية . وفي لبنان كذلك .
ب - التأمين العقاري الذي يجريه المالك الظاهر للعقار بسند صوري :
المالك الظاهر بسند صوري يحمل عقداً صورياً كسند ملكية للعقار , ويعرف بين الناس على أنه المالك الحقيقي لهذا العقار .
ويكون التأمين العقاري الذي يجريه المالك الظاهر بسند صوري صحيحاً , شريطة أن يكون الدائن المرتهن حسن النية معتقداً أنه يتعامل مع المالك الحقيقي للعقار المرهون , ويسري التأمين العقاري عندئذ في مواجهة مالك العقار الحقيقي .
ج- التأمين العقاري الذي يجريه المالك الظاهر الذي يتصرف باسم مستعار :
المالك الظاهر الذي يتصرف باسم مستعار يكون التأمين العقاري منه صحيحاً , وهو ما يأخذ به التشريعان المصري و الفرنسي .
فالوكيل لشراء عقار لحساب شخص آخر , الذي قام بعملية الشراء باسمه شخصياً وليس باسم موكله متفقاً معه على ذلك , يكون بمثابة المالك للعقار أمام الناس , وهو مجرد اسم مستعار و ليس مالكاً حقيقياً للعقار .
ويصح التأمين العقاري الذي يجريه المتصرف باسم مستعار ما دام الدائن المرتهن حسن النية يعتقد أنه يتعامل مع المالك الحقيقي .
كذلك قضى التشريع اللبناني بصحة التأمين العقاري من المالك الظاهر الذي يتصرف باسم مستعار متى كان الدائن المرتهن حسن النية , وذلك حماية للأوضاع الظاهرة .