و تراجع الطوفان لملم كل أذيال المياه
|
و تكشفت قمم التلال سفوحها و قرى السهول
|
أكواخها و بيوتها خرب تناثر في فلاة
|
عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول
|
فيما يحيط بهن من شجر فآه
|
آه على بلدي عراقي : أثمر الدم في الحقول
|
حسكا و خلف جرحة التتري ندبا في ثراه
|
يا للقبور كأن عاليها غدا سفلا و غار إلى الظلام
|
مثل البذور تنام في ظلم الثمار و لا تفيق
|
يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام
|
حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق
|
جثث هنا ودم هناك
|
وفي بيوت النمل مدّ من الجفون
|
سقف يقرمده النجيع و في الزوايا
|
صفر العظام من الحنايا
|
ماذا تخلف في العراق سوى الكآبه و الجنون
|
أرأيت أرملة الشهيد
|
الزوج مد عليه من ترب لحافا ثم نام
|
متمددا بأشد ما تجد العظام
|
من فسحة سكنت يداه على الأضالع
|
و العيون
|
تغفو إلى أبد الإله إلى القيامة في سلام
|
رمت الرداء العسكري و نشرته على الوصيد
|
لثمته فانتفض القماش يرد برد الموت
|
برد المظلمات من القبور
|
يا فكرها عجبا ثقبت بنارك الأبد البعيد
|
يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد
|
ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومّك من دهور
|
الثأر يصرخ كل عرق كل باب
|
في الدار يا لفم تفتّح كالجحيم من الصخور
|
من كل ردن في الرداء من النوافذ و الستور
|
من عيني ابنك يا شهيد تسائلان بلا جواب
|
عنك الأسرة و الدروب و تسألان عن المصير
|
مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك الأثير
|
و يداه في الردنين ضائعتان و الصدر الصغير
|
في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب
|
ورنا إلى المرآة
|
أبصرت فيه شخصك في الثياب
|
أبني كان أبوك نبعا من لهيب من حديد
|
سوراً من الدم و الرعود
|
ورماه بالأجل العميل فخر واها كالشهاب
|
لكن لمحا منه شع وفض أختام الحدود
|
و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد
|
و كأن في أفق العروبة منه خيطا من رغاب
|
و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه
|
فرأى القبور يهب موتاهن فوجا بعد فوج
|
أكفانها هرئت
|
و لكن الذي فيها يضم إليه أمسه
|
ويصيح يا للثار يا للثار
|
يصدي كل فج
|
و ترنّ أقيبة المساجد و المآذن بالنداء
|
و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء .
|