أقسام رحيل القمر الإجتماعية

**بنت عدن** · السبت 05 أكتوبر 2013, 13:04

موضوع و حكم تحديد سن الزواج للبنت

في المجتمعات العربية تسعى المؤسسات النسوية ومراكز حقوق الإنسان إلى فرض أجندتها الغربية ثقافياً واجتماعياً على المرأة المسلمة، و لم تكف عن المناداة بضرورة تأخير سن الزواج.

ولأن المجتمع الفلسطيني جزء من المجتمع العربي؛ فقد نالت الفكرة أفقاً كبيراً وتبنت أحد المراكز النسوية الفلسطينية فكرة سن قانون يقضي بتأخير سن الزواج، وعدم السماح بزواج الفتاة دون سن الثامنة عشر، مؤكدة على أن الزواج في هذه السن المبكرة تنطوي عليه أثار سلبية على المرأة في جميع النواحي الصحية والاجتماعية والنفسية أيضاً.
وادعى هذا المركز أن الحمل لدى الفتاة في سن مبكرة كنتيجة طبيعية للزواج المبكر لا يكتمل! معللة ذلك بعدم اكتمال نمو جسم الفتاة دون الثامنة عشر؛ مما يعرضها للإجهاض المتكرر، كما أنها قد تتعرض لأمراض فقر الدم، ناهيك عن حالة الوفاة التي قد تتعرض لها خلال الحمل مقارنةً بمن تأخر سن زواجها؛ بالإضافة إلى ازدياد الوفيات من أطفالهنّ بسبب قلة الدراية والوعي بالتربية والتغذية، ناهيك عن المخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تواجهها الفتاة التي ترتبط بالزواج في سن مبكرة؛ إذ تكون وفقاً لمزاعم المركز النسوي الفلسطيني الداعي إلى تأخير سن الزواج لدى الفتيات إلى سن الثامنة عشر في طور المراهقة ولا يمكنها أن تشارك برأيها في أمور حياتها الزوجية؛ مما يفتح الباب أمام التدخلات من الأهل والأقارب في حياتها الشخصية، بالإضافة إلى إمكانية حرمانها من التعليم، وزيادة الأعباء الملقاة على كاهلها مما يجعلها تخفق في حياتها الزوجية.

موقع " لها أون لاين " خلال التحقيق التالي يرصد هذه الادعاءات ويكشف حقيقتها:

في دراسة أعدها د. "حسام الدين عفانة"، أستاذ الفقه والأصول في كلية الدعوة وأصول الدين ، جامعة القدس، يفند هذه المزاعم ويرد على ادعاءات المطالبين برفع أو تأخير سن الزواج قائلاً: "اعتبار الفتى والفتاة في سن المراهقة ولا يقوى كل منهما على أخذ القرار المناسب هي حجة واهية جوفاء" معللاً أن الفتاة تأخذ رأي وليها وتستشيره في أمورها، وخصوصاً موضوع الزواج.
إضافة لذلك فإن المجتمع الإسلامي هو مجتمع المحبة والمؤاخاة و التناصح، وفيما يتعلق بالقول: إن الفتاة التي تتزوج مبكراً تكون أعضائها التناسلية غير مكتملة وصغيرة الحجم؛ يؤكد د. عفانة أن ذلك يتنافى مع رأي الطب الذي يؤكد أن مرحلة بلوغ الفتاة تتراوح بين الثانية عشر والرابعة عشر، مشيراً إلى أن القوانين الوضعية بعضها لا يجيز زواج الفتاة إلا في الخامسة عشر وقوانين أخرى تريد عدم زواج الفتاة إلا بعد الثامنة عشر! مما يستدعي مرور سنة إلى ثلاث سنوات على بلوغها على الأقل قبل الزواج، واستطرد د. عفانة في تفنيده للأسباب التي تدعو إلى ضرورة تأخير سن الزواج قائلاً:" القول بزيادة الوفيات للأمهات الصغار جراء الحمل وسوء التغذية؛ هو ادعاء غير مسلم به ويكذبه الواقع من خلال الحس والمشاهدة بالنسبة للوفيات".

وأضاف أن ادعاء سوء التغذية ليس مبرراً لتأخر سن الزواج لدى الفتاة؛ فهو يحتاج إلى زيادة وعي من البيت والأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، ودور الرعاية الصحية التي لو تم استخدامها بطريقة سليمة ودقيقة لأحدثت نقلة نوعية فائقة في هذا الأمر على حد تعبيره.

وأكد على أن الشريعة الإسلامية لم تحدد سناً معيناً بالسنوات لعقد الزواج؛ بل أجاز جمهور الفقهاء المتقدمين زواج الصغير والصغيرة أي دون البلوغ، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية حددت سناً للزواج بعضها حدد بسن الخامسة عشر والبعض الآخر رفعه إلى الثامنة عشر.
ورأى د.عفانة أن تأخير الزواج وفقاً لما تنادي به القوانين الوضعية التي تنادي بها المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان يؤدى إلى مضار كثيرة منها:" احتمال انزلاق الفتاة إلى الفاحشة، أو أن يفوتها الزوج الكفؤ، أو حتى يفوتها قطار الزواج بالكلية، بالإضافة إلى كراهية وليها الذي أخر زواجها بعدم قبوله من تقدم إليها من الخطّاب الأكفاء، وقد يصدر منها ما لا تحمد عقباه، وأحياناً أخرى قد يصيب نفسها شيء من التعقيد والسخط على كل من حولها".
الدين لم يمنع
ووفقاً للرؤية الشرعية كما يرى أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية بغزة د. ماهر السوسي فإن الإسلام لم يضع سن الزوج أو الزوجة ضمن الشروط التي حددها من أجل صحة عقد النكاح؛ وإنما فقط تم وضعه كشرط لإمكانية دخول الزوج بزوجته وقدرة تحمل الزوجة لعملية الجماع، وأشار السوسي إلى أن الدخول ليس شرطاً لصحة الزواج، مؤكداً أنه يجوز للرجل أن يعقد قرانه على امرأة صغيرة لم تبلغ حتى سن الحيض مستنداً إلى حادثة عقد النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة وهي ابنة التاسعة من عمرها، وأضاف أن هذا الأمر قرره الشرع لسبب يتعلق بالأشخاص أنفسهم، وخصوصاً موضوع التمايز والاختلاف والحاجة إلى الزواج والتي تختلف من شخص إلى آخر، لافتاً إلى أن هناك شخصا يرغب بالزواج في سن مبكرة وتكون لديه القدرة على الزواج وإنشاء أسرة بحسب شروط الشرع، بينما آخر تعزف نفسه عن الزواج ولا يحتاجه مبكراً.

وشدد السوسي على أن معيار وشرط البلوغ لدى الأشخاص يختلف من بلد إلى آخر، فبعض البلاد يكون سن البلوغ مبكراً جداً، وفي بعضها يكون متأخراً جداً، الأمر الذي يؤثر على سن الزواج.
وتابع قائلاً:"لو قلنا بتأخير سن الزواج في البلاد التي يكون فيها البلوغ مبكراً جداً؛ فإن ذلك قد يؤدي إلى الكثير من المفاسد خصوصاً الوقوع في فاحشة الزنا" لافتاً إلى أنه أحياناً حتى في البلاد التي يتأخر فيها سن البلوغ، قد يحتاج الإنسان أن يعقد قرانه على فتاة أو امرأة؛ نظراً لظرف من الظروف فقد تكون امرأة فقيرة، أو لا عائل لها أو قد يكون هو محتاج لامرأة تعوله ويسكن إليها.
وأوضح السوسي أن الإسلام قد راعى الظروف جميعها، المادية والنفسية والشخصية وفهمها فهماً دقيقاً لم تستطع القوانين الوضعية أن تتفهمها أو تتعرف عليها، حيث أغمضت القوانين الوضعية عينيها عن جرائم الزنا التي تقع في المدارس الإعدادية والثانوية في كل البلاد التي لا تتبع التشريع الإسلامي، مشيرا إلى أن الأمر لا يحتاج إلى دليل، تبررها كثرة وقائع الزنا التي تحدث بين الأطفال في المدارس المختلطة.

واستطرد يقول:"كثيراً ما تطالعنا الصحف ووكالات الأنباء عن فتاة في الثالثة عشر قد حملت في أحشائها جنيناً وغيرها في الخامسة عشر، وعن النسب المرتفعة لحالات الاغتصاب والزنا ما بين التلاميذ والتلميذات في سن مبكرة"، وأشار السوسي إلى أنه لا علاج لمثل هذه الأمور إلا بقوانين تراعي فطرة الإنسان، وتنسجم مع الحالة النفسية للكائن البشري وتراعي الظروف المحيطة به، وهذا ما فعله الإسلام وهو جوهر الفرق بين التشريع الإسلامي والشرائع والقوانين الأخرى.

وأكد على أن الإسلام لم يلزم أحداً أن يتزوج في سن معين، لا في سن مبكرة ولا في سن متأخرة، فقط وضع قانونا وترك للإنسان الحرية في اختيار السن التي تناسبه للزواج، مشدداً على أن الإسلام لم يحدد سناً معينة ولم يجبر أحداً على الزواج إلا في حالات محددة.
وأوضح أن ما ينتج عن بعض الزيجات المبكرة من نتائج سلبية ليس عيباً في الزواج، ولا ينبغي أن يتم التنبيه عليه بقوة، مشيراً إلى أن متابعة الأمر ميدانياً سيؤكد أن الزيجات المبكرة إفرازاتها السلبية كانت نتيجة موروثات اجتماعية خاطئة من عادات وتقاليد وسلوكيات اجتماعية خاطئة لا علاقة لها بالدين.

للنيل من الإسلام
ويرى د. السوسي أن النداءات في المؤتمرات من قبل المؤسسات النسوية ومؤسسات حقوق الإنسان التي تطالب بين الحين والآخر بضرورة سن قوانين وضعية تحدد سن الزواج وتجرم زواج الفتاة قبل سن الثامنة عشر، ليست وليدة اللحظة؛ وإنما هي قديمة. وأضاف أن مثل تلك الحملات الهدف منها النيل من الإسلام والإساءة له ليس أكثر، موضحاً أنه مجرد مدخل تسعى من خلاله منظمات حقوق الإنسان للطعن في الإسلام، مشيراً إلى مداخل سابقة كانت قد اتبعتها ذات الجهات التي تحرض على رفض فكرة الزواج المبكر.
فهي في مرات سابقة أرادت الطعن في الإسلام، تارةً من مدخل الحرية للمرأة، وأخرى من مدخل الزواج المبكر، وثالثة من مدخل عمل المرأة والحجاب، مؤكداً أنه لا تخلو فترة زمنية من شيء من تلك الحملات التي تتبع منهجية مدروسة جيداً للهجوم على الإسلام من خلال مداخل مختلفة.
لافتاً إلى أن أسهل تلك المداخل موضوع المرأة والأسباب لديه لا تعدو أن المرأة المسلمة وإن نالت حظاً وافراً من العلم تبقى أكثر استجابة لمغريات الحياة، والنداءات البراقة والدعوات التي تظهر أنها مناصرة لها، بالإضافة إلى حالة الظلم التي يوقعها المجتمع المسلم على المرأة المسلمة نتيجة العادات والتقاليد الموروثة؛ الأمر الذي ساعد كل من أراد أن يطعن في الإسلام في أن ينسب الظلم إلى الإسلام نفسه، وليس لسوك وتصرفات المسلمين الخاطئة.
الزواج قضية شرعية وقضية فسيولوجية
يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأقصى بغزة د. درداح الشاعر أن ما يحدد سن الزواج قضية شرعية وقضية فسيولوجية.

وأضاف أن الدين الإسلامي لم يضع سناً معيناً للزواج، وإنما وضع شرط البلوغ ووصول المرأة إلى درجة من النضج الجنسي تتحول معها المرأة من كائن لا جنسي، إلى كائن جنسي قادر على حفظ النوع.
واستدرك أن هناك بعض الاعتبارات التي تحدد الزواج، منها: سلامة جسم المرأة، فإذا كان جسم المرأة حتى وإن بلغت سن البلوغ أو السن الشرعي للزواج ضعيفا أو هزيل البنية، ولا تستطيع احتمال مشكلات الحمل والولادة، ربما على القاضي أن يقدر هذا الأمر ويؤخرها بعض الشهور أو السنين.
وعاد ليؤكد أنه من الناحية الشرعية لا يمكن لأحد القول بضرورة رفع سن الزواج إلى حد معين؛ لأنه يتعارض مع فكرة الشريعة الإسلامية التي تحث على عدم تحديد سن الزواج للمرأة ، وعقب الشاعر قائلاً :"أعتقد أن الأحكام الداعية إلى رفع سن الزواج لدى الفتاة أحكام وضعية لا علاقة لها بالدين".
ورد د. الشاعر على من يرجع فشل الحياة الزوجية لبعض الفتيات اللاتي تزوجن مبكراً أن الفشل لا علاقة له بالزواج المبكر أو تأخير سن الزواج؛ وإنما يعتمد الأمر بالنجاح أو الفشل على أمرين:
إحداهما فسيولوجي والآخر عقلي، مؤكداً أن الإنسان يصل إلى النضوج العقلي في سن الرابعة عشر أو السادسة عشر التي تطابق إلى حدٍّ ما سن البلوغ البيولوجي والفسيولوجي، وأشار أن الإنسان ما دام قادراً على التمييز والإدراك الواعي فيمكنه أن يتزوج، ولا يمكن اعتبار الزواج المبكر هنا مشكلة إلا إذا وجد لديه مشكلة عقلية، أي أنه تجاوز سن البلوغ ولم ينضج عقلياً، قائلاً :"إذا بلغ الإنسان درجة من التوافق والتكيف والفهم للعلاقات الأسرية؛ فلا داعي لتأخير أو تأجيل سن الزواج"، مشيراً أن القضية تتعلق بمستوى فهم وإدراك الفتاة أكثر من قضية السن".

م ن