يا نساء الأمة دخلت على مجتمع فسيح، فتجولت في جنباته، وسحت في ساحاته، أريد أن استطلع أحواله واستكشف مكامنه، فلقيت أن ذلك لا يحتاج إلى استكشاف أو استطلاع.. فأبوابه مفتوحة وأسراره مفضوحة، فسألت عن بنات جنسي؟؟
فرأيتهن قد خدعن بالمظاهر الخداعة.. وفتنّ بالمناظر الجذابة.. وانسقن خلف التقليعات الساحرة.. وانقدن وراء الشعارات الزائفة فصرن يتسابقن لكي تقول كل واحدة منهن: (أنا الأفضل)..
فتراهنّ في الأسواق سائحات.. وفي الطرقات تائهات، وللأموال مسرفات، وفي الأعراس كاسيات عاريات.. تتباهى كل واحدة منهن بثوبها الغالي.. وبحذائها العالي، وطقمها الألماس.. وترى في كل حفل ثوب.. ولكل ثوب جوّال.. فهنّ في الجوال متباهيات.. في الوانه الزاهيات.. وأنواعه الراقيات..
فنرى البذخ والتبذير، والغفلة دون تذكير، فأغلقن على أنفسهن الأبواب وحجبن الأستار.. لكي لا يعكر صفو حياتهن هواء ساخن.. وغبار شاعث.. وأنين مؤلم.. وصياح موجع.. ودويّ صاخب.. وحريق لاهب..
فكأنهن خلقن لوحدهن.. أغرتهن الدنيا بزخارفها البراقة.. ومظاهرها الزائفة.. ونسيت هؤلاء أو تناست أن لها أهلاً غير أهلها.. وإخواناً غير إخوانها.. تربطها بهم أفضل الروابط الإنسانية.. في ديارهم مشردون.. وفي أنفسهم مقهورون.. وأموالهم منهوبة.. فنرى رجالاً قتلوا وأسروا بظلم ظالم.. و بأمر قاصم.. ونرى نساء يعشن حياة الخوف والجوع في بيوت مقفرة لفراق الحبيب، وغياب الربيب، وأجواء مظلمة.. لانقطاع الأنوار وحصول الدمار..
تخاف من جنود العدو أن يكسروا الباب.. ويهتكوا ستر أعز الأحباب.. وتمسح دمعة طفل بائس مسكين.. قد تضوّر بطنه جوعاً.. ينام في الخلاء عريان، لا يلقى دفئاً إلا حضن أمه الرؤوم.. الذي ما يكاد أن ينام إلاَّ ويفزعه ضجيج الدبابات.. ودويّ الإنفجارات..
كل ذلك من أثر أعداء داسوا أراضينا ظلماً وقهراً.. وقوة وتجبراً وكرهاً وعداءً.. وسلباً ونهباً..
فنرى دماءً وأشلاءً.. وأسراً واضطهاداً.. وتخريباً ودماراً.. ولا تزال نساؤنا أولئك مغلقات شرفاتهن.. ومعرضات بقلوبهن فإلى متى هذا الصدّ والإعراض.. وإلى متى هذه الغفلة والنسيان..
أختاه:
كيف تنامي قريرة العين وهناك جفون سهرتها أيادي الأعداء.
أم كيف تطيب لك حياة وإخوانك يلاقون ما يلاقون من مآسي الردى، وأنواع البلاء؟؟ أم كيف يهنأ لك عيش وأخواتك تلاقين ما يقض المضاجع ويزعج المسامع؟
يا حفيدة خديجة وأسماء وعائشة :
أما آن لك أن تعلمي أن في الدنيا حياةً وموتاً، وحقاً وباطلاً، وابتلاء ونعماً.. وفتناً ونقماً.. وفيها إسلام وكفر؟
ترى مَنْ مِنَ النساء اليوم تحمل همّ الأمة؟ مَنْ مِنَ النساء بكت على مذابح جنين ونابلس ورفح؟
ومَنْ مِنَ النساء بكت على سقوط كابل؟ بل مَنْ مِنَ النساء بكت على سقوط بغداد؟
فوالله لا ترى من النساء إلا من يبكين على حبيب، ولا يكترثن بما يصيب الدين وأهله.
أختاه: يجب أن توقظي قلوب الرجال، وترفعي همم الأبطال.. وتقولي نأبى التذلل والخضوع، والمسكنة والخنوع، نريد التحرر من الركوع أمام عباد الصليب..
عليك أن تدفعي أحبابك لميادين الجهاد فإن أحب الأحباب ورب الأرباب أحق علينا بأن نضحي في سبيله بأعز ما نملك من أنفس وأموال..
وأقول لك أختي المسلمة :
إن أقلّ ما يطلب منك حال خروج الرجال للجهاد أن تصمتي. وترضي بأمر الله.. وحذار أن تصدي عن سبيل الله وأن تكونين عقبة في طريقهم إلى الجنان وفي نيل رضى الرحمن.
قال تعالى : {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}، {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً أولئك في ضلال بعيد}.
فكوني كالخنساء ونسيبة بنت كعب وصفية بنت عبد المطلب اللتي ما خلا هذا العصر من شبيهات بهن ّ واللاتي أردن أن يرفع الذل والهوان عن جبين الأمة، وأن يرفعن راية النصر للإسلام والمسلمين بدم أبنائهن وفلذات أكبادهن، وأن يوقفن المد الشيوعي الكافر عن أراضي الإسلام وأهله..
أختاه :
لماذا لا تكوني مثل أم سراقة.. وما أدراك ما أم سراقة.. فهي قد دفعت ابنها للجهاد في أفغانستان فلما قتل قالوا كيف نخبرها بمقتل ابنها؟
ثم رأوا أنه لو كلمها الشيخ عبد الله عزام لهانت مصيبتها.. فاتصل بها الشيخ رحمه الله وبشرها بمقتل ابنها وعزاها بكلمات في الصبر فإذا بها لا تحتاج إلى مثل هذه الكلمات، وكأنها تنتظر هذه البشرى على شوق، وردت على الشيخ قائلة : الحمد الله على استشهاد سراقة وسأرسل لكم بعد أسبوع أخاه ليحل محله.. [1].
كتاب دور النساء في جهاد الأعداء. تأليف : الشيخ يوسف العييري رحمه الله.