نعَمُ اللهِ عزَّ وجلَ على الإنسانِ لا تعدُّ ولا تحصى، قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾.
ومن هذه النعمِ تكريمُه عزَّ وجل لبني آدم، يقول الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾،
قال القرطبيُّ رحمه الله: "التفضيلُ إنما كان بالعقلِ الذي هو عُمدةُ التكليفِ". لقد كرّم الله الإنسان بالعقل، وجعله مناطَ التكليف، وأحاطه بالخطاب والتنبيه في القرآن والحديث الشريف. بالعقل تميّز الإنسان وتكرّم، وترقّى في شأنه وتعلّم، جعله الشارع الحكيم ضرورةً كبرى، وشرع لصيانتِه الحقَّ والحدّ، ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾. بالعقل يميّز الإنسان بين الخير والشرّ والنفع والضرّ، وبه يتبيّن أوامرَ الشرع ويعرف الخطابَ ويردّ الجواب ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال الإنسان عقله لم يكن بينه وبين البهائم فرق، بل هو أضلّ منها، ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ بل قد يُنتفع بالحيوان، أما الإنسان فلا يُنتفع به بعد زوال عقله، بل يكون عالةً على غيره، يُخشى شرّه ولا يُرجى خيره. ومن هنا جاءَ الشرعُ المطهرُ بحفظِ العقلِ، بل كان ذلك من أعظمِ مقاصدِه إضافةً إلى حفظِ الدينِ والنفسِ والمالِ والنسبِ، ونهى الشرعُ الحنيفُ ومنعَ من الإخلالِ بالعقلِ، بل رتَّبَ العقوبةَ على ذلك؛ لأن الإنسانَ بلا عقلٍ دابّةٌ لشهواتِه، تقوده يمينًا وشمالاً، وتحركه إلى الأمامِ والخلفِ، وتلقي به في مهاوي الردى. إن العبث بالعقل وإفساده جريمة كبرى تعد من أفظع الجرائم. ومن أعظم الوسائل التي تفسد العقل وتغيره تعاطي المسكرات أو المخدرات، فتناولها يغطي العقل ويحجبه عن أداء واجبه الذي خلق من أجله، فلا يعرف ماهيته في هذه الحياة، ولا يدرك وظيفته فيها، فيكون بذلك قد فرَّط في المحافظة على إحدى الضرورات التي أمر بصيانتها والعناية بها وعدم الاعتداء عليها. لقد حرص أعداء الأمة الإسلامية شرقًا وغربًا وفي كل مكان على إفساد هذه الأمة، وهدم كيانها، وشل حركتها، والقضاء عليها، وضربها من حيث لا تشعر، وإفساد شباب هذه الأمة، ونخر أجسامهم وعقولهم، وقد ظهرت محاولة إفسادهم لشباب المسلمين بضرب كل ميدان ومرفق، بغزو نشطٍ ومكثف من جميع الاتجاهات، ومن كل النواحي الثقافية والأخلاقية والفكرية. ولعل سلاح المسكرات والمخدرات الذي صدروه إلى كافة المجتمعات الإسلامية، وتفننوا في إرساله بشتى الصور ومختلف المسميات من أكبر الأخطار المحدقة بالأمة التي تواجهها الشعوب الإسلامية، محاولة من أعدائها للقضاء على دينها وأخلاقها ومواردها.
نتحدّث عن المسكرات والمخدّرات في وقتٍ ضجّت بالشكوى فيه البيوت واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي وأمٌّ تبكي وزوجةٌ حيرى وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي منها فليحمدِ الله. المخدّرات تفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّة وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة حتى يصير متعاطيها ديّوثًا وممسوخًا. وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وتفشّتِ الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً. أمّا متعاطيها فإنّها لا تزال تستنزف مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية الموحشة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! مع فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن))، وقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إنه - والله - لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر) رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. والخمر اسم لكل ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو مشروبا ففي الحديث "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" مسلم وقال صلى الله عليه وسلم "ما أسكر كثيرة فالقطرة منه حرام".
قصص محزنة
إننا نسمع بقصص نحسبها من ضرب الخيال ولكنها في حياة شربي الخمور والمخدرات واقع وحقائق يندى لها الجبين في عالم المخدرات.. قصص ومآس.. وخلف الأبواب المغلقة.. مئات الأسرار والحكايات.. هنا يضيع الشرف.. وتهرق الكرامة في مستنقعات العار.. من ملفات المخدرات نقرأ الدموع والحسرات.. فذاك عربيد دخل بيته سكرانا فوجد أمه قد انحنت على التنور تعد له الطعام فقام بقذفها في التنور حتى احترقت وتفحمت ولم يفق من سكرته إلا والأغلال في يديه والحديد قد أثقل قدميه وإذا به قد ارتكب أبشع جريمة ألا وهي قتل أمه لتكون ضحية من ضحايا الخمور والمخدرات.
وآخر أفاق من سكرته وقد طلق زوجته. وآخر أفاق من خمرته وإذا به يحاول انتهاك عرض ابنته. دخل أحد مروجي المخدرات على رجل من عملائه فطلب منه العميل حبوبا ولا مال لديه فرفض وفي هذه الأثناء دخلت عليهما ابنته التي لم تجاوز التاسعة من عمرها ومعها كوب من الشراب لتقدمه للضيف فنظر إليها وقال لأبيها هذه مقابل ما أعطيك وكان يريد فعل الفاحشة بها فوافق الأب وأمسكها للمجرم ليفعل بها فعلته فوقعت المصيبة وهتك العرض وماتت البنت من أثر تلك الجريمة المنكرة. وذاك آخر يتحدث عن مأساته وهو في مستشفى الأمل فيقول: جاءني من يبيعني المخدرات وأنا بأمس الحاجة إلى المخدرات وليس معي مال فأبى أن يعطيني إلا بشرط أن أمكنه من ابنتي ففعلت ثم طلب زوجتي ففعلت بل أمسكتها له ولم يكتف بذلك بل طلب أن يفعل بي الفاحشة ولشدة حاجتي استسلمت له والأدهى من ذلك أنه فعل بي أمام زوجتي وابنتي ثم أعطاني تلك السموم ولما أفقت من سكرتي عرفت عظيم جرمي وقبح إساءتي في حق زوجتي وابنتي وجئت إلى هنا أطلب العلاج.وتلك امرأة تتحدث عن ولدها الذي عاقر المخدرات فتقول: دخل علي قبل الفجر ولم استفق إلا وهو يمزق ثيابي ليفعل بي الحرام فقمت وهربت وخرجت إلى الشارع عارية ولكن والحمد لله لم يرني أحد فطرقت باب ابنتي ففوجئت بي وأخبرتها أن بعض اللصوص هاجموا بيتي وهربت منهم وسكنت معها وأنا أتمنى أن يموت ابني أو تقبض عليه الجهات الأمنية وبعد فترة من الزمن أردت أن أذهب إلى بيتي فذهبت أنا وابنتي ومعها طفلة صغيرة لها فلم نجد فيه أحد وقد باع ابني جميع أثاث البيت ومكثنا ليلتنا ننظف البيت وقبل الفجر دخل علينا ابني سكرانا وأسرع نحو البنت الصغيرة ليفعل بها فقاومته أخته وأما أنا فقد توجهت نحو المطبخ وأخذت سكينا فطعنته بها ثلاث طعنات فارق على اثرها الحياة ضحية من ضحايا المخدرات وتلك فتاة فقدت عذريتها وتخشى على نفسها من القتل فتقول (س، خ) طالبة بالصف الثاني الثانوي ِإنها وقعت في إدمان المخدرات منذ ما يقارب 8 أشهر ولا تزال في محاولة الإقلاع عنها، وتضيف أنها أدمنت مادة الحشيش المخدر بسبب والدها وتروي القصة قائلة أبي يتعاطى الحشيش بشكل يومي منذ سنوات طويلة في المنزل برفقة عدد من أصدقائه وتعلم أسرتي بهذا الأمر وفي أحد الأيام بعد أن ترك والدي المجلس ذهبت إليه فوجدت بقايا سجائر بها الحشيش وأخذني الفضول لأجربه في الحقيقة كنت قد دخنت السجائر من قبل مع زميلاتي في المجمعات التجارية أو في الجلسات الخاصة المهم أحسست بدوار فور تدخيني الحشيش ثم بعد أيام كررت التجربة بالطريقة ذاتها لكنني دخنت سيجارة كاملة فأحسست بأن أمرا غريبا يحدث لي لكنه أعجبني فواصلت إلى أن أصبحت غير قادرة على الاستغناء عن تدخين الحشيش، أحيانا كنت اجلس خلف باب المجلس الخلفي أثناء تواجد والدي مع أصدقائه لاستنشق الدخان المتسرب من أسفل الباب، وتضيف الفتاة قائلة اطلعت صديقتي على أمر الحشيش واكتشفت أنها تدخنه وأنها تحصل علية عن طريق شاب وقالت إنه يمكن أن يمدني به مقابل أموال وبالفعل كنت أدفع له ليمدني بالمخدر ثم تعلمت شرب الخمور وغيرها من المواد المخدرة إلى أن حدثت الكارثة حين أخذ يسيطر عليها وعندها تمكن من الانقضاض عليها فأفقدها عذريتها ومع تلك الكارثة تحاول الآن الخروج من دوامتها تمنع نفسها من المخدر وتقول إنها تشعر الآن بتحسن في حالتها الجسدية والنفسية لكنها تخشى التوجه إلى العلاج حتى لا يفتضح أمرها خاصة أن المصيبة كبيرة ويمكن أن تعرضها للموت. ولعل قائل يقول: أليس هذا نوعا من المبالغة والتهويل هل بلغ الأمر إلى هذا الحد وهل الخمور والمخدرات انتشرت هذا الانتشار المخيف فأقول هذه السجون شاهدة بذلك وهذه المصحات النفسية والعقلية ومستشفيات الأمل التي انتشرت هنا وهناك ما هي إلا نتيجة حتمية لانتشار الخمور والمخدرات وأكبر دليل على فشو المسكرات.